فأرسل. إلينا من يلقانا، وقال: لا تدخلوا على الملك بعمائمكم حتى تنزعوها، إلا أن تكون مناديل لطافا، وحتى تنزعوا أخفافكم. فقلت: لا أفعل، ولا أدخل إلا بما أنا عليه من الزي واللباس، فإن رضيتم، وإلا فخذوا الكتب تقرؤونها، وأرسلوا بجوابها، وأعود بها. فأخبر بذلك الملك، فقال: أريد معرفة سبب هذا، وامتناعه عما مضى عليه رسمي من الرسل؟ فسئلت عن ذلك، فقلت: أنا رجل من علماء المسلمين، وما تحبونه منا ذل وصغار، والله تعالى قد رفعنا بالاسلام، وأعزنا بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأيضا فإن من شأن الملوك إذا بعثوا رسلهم إلى ملك آخر رفع أقدارهم، لا إذلالهم، سيما إذا كان الرسول من أهل العلم، ووضع قدره انهدام جانبه عند الله تعالى، وعند المسلمين. فعرف الترجمان الملك بذلك، فقال دعوه يدخل ومن معه كما يشاءون. فدخل الباقلاني ومن معه كما أرادوا، وسأله الملك عن السبب في امتناعه عن اتباع ما جرى به رسمه مع الرسل من قبل، فشرح وجهة نظره، وذكره: أن رسوله قد دخل بملابسه على أمير المؤمنين الطائع، وأدخل بها على السلطان عضد الدولة، ثم قال: " فما تنكرون على هذا، وأنا رجل من علماء المسلمين؟ فإن دخلت بغير هيئتي، ورجعت إلى حكمك أهنت العلم ونفسي، وذهب عند المسلمين جاهي " فقال الملك لترجمانه: قل له: قد قبلنا عذرك، ورفعنا منزلتك، وليس محلك عندنا كسائر الرسل، وإنما محلك عندنا محل الأبرار الأخيار، وقد أخبرنا صاحبكم في كتابه أنك لسان المسلمين، والمناظر عنهم، وأنا أشتهي أن أعرف ذلك منك، كما ذكروه عنك. فقلت: إذا أذن الملك. فقال: أنزلوا حيث أعددت لكم، ويكون بعد هذا الاجتماع. فنهضنا إلى موضع أعد لنا فلما كان يوم الاحد بعث الملك في طلبي، وقال لي من بعثه:
من شأن الرسول حضور مائدة الملك، فيجب أن تجيب إلى طعامنا، ولا تنقض كل رسومنا. فقلت له: أنا من علماء المسلمين، ولست كالرسل من الجند وغيرهم الذي يعرفون ما يجرى في هذا الموطن عليهم، والملك يعلم أن العلماء لا يقدرون أن يدخلوا في هذه الأشياء وهم يعلمون، وأخشى أن يكون على مائدته من لحوم الخنازير، وما حرمه الله تعالى، على رسوله وعلى المؤمنين. فذهب الترجمان وعاد