وعند ما تهيأ الباقلاني للخروج إلى القسطنطينية، قال له أبو القاسم: المطهر بن عبد الله، وزير عضد الدولة: الطالع خروجك. فسأله عن معنى هذا الكلام، فلما فسر له مراده، قال الباقلاني: لا أقول بهذا، لان السعد والنحس كله والشر والخير بيد الله عز وجل، وليس للكواكب ههنا مثقال ذرة من القدرة، وإنما وضعت كتب المنجمين ليتعيش بها الجاهلون من العامة، ولا حقيقة لها. فقال الوزير: أحضروا إلى أبا سليمان المنطقي، فليست المناظرة من شأني، ولا أنا قائم بها، وأنما أنا أحفظ علم النجوم وأقول: إذا كان من النجوم كذا كان كذا، وأما تعليله فهو من علم المنطق. فأحضر وأمر بمكالمة الباقلاني، فقال أبو سليمان للوزير: هذا القاضي يقول: إن الباري - سبحانه - قادر على أن يركب عشرة أنفس في ذلك المركب الذي في دجلة، فإذا وصلوا الجانب الآخر يكون الله قد زاد فيهم آخر فيكونون أحد عشر، ويكون الحادي عشر قد خلقه الله في ذلك الوقت.
ولو قلت أنا: لا يقدر على ذلك، أو هو محال - قطعوا لساني وقتلوني، وإن أحسنوا إلى كتفوني ورموني في الدجلة. وإذا كان الامر كما ذكرت لم يكن لمناظرتي معه معنى! فالتفت الوزير إلى الباقلاني وقال: ما تقول أيها القاضي؟ فقال:
ليس كلامنا ههنا في قدرة الباري تعالى: والباري قادر على كل شئ، وإن جحده هذا الجاهل، وإنما كلامنا في تأثيرات هذه الكواكب، فانتقل إلى ما ذكر لعجزه وقلة معرفته، وإلا فأي تعلق للكلام في قدرة الباري عز وجل في مسألتنا؟ وأنا وإن قلت: إن القديم، تعالى، قادر على ذلك، ما أقول: إنه يخرق العادة ويفعل هذا، لأنه لا يجوز عندنا أن يخلق اليوم إنسانا من غير أبوين، فإذا كان كذلك، فقد علم الوزير أن هذا فرار من الزحف. فقال الوزير:
هو كما ذكرت. وقال أبو سليمان المنطقي: المناظرات دربة وتجربة، وأنا لا أعرف مناظرات هؤلاء القوم، وهم لا يعرفون مواضعاتنا وعباراتنا، ولا تجمل المناظرة بين قوم هذا حالهم. فقال له الوزير: قبلنا اعتذارك، والحق أبلج. ثم مال إلى الباقلاني بوجهه، وقال له: سر في رعاية الله. قال الباقلاني: " فخرجت فدخلنا بلاد الروم حتى وصلنا إلى ملك الروم بالقسطنطينية، وأخبر الملك بمقدمنا