بلدك من يومك إن قدرت، وإلا لم آمن الفتنة به على النصرانية. ففعل الملك ذلك، وأحسن جواب عضد الدولة وهداياه، وعجل تسريحه، ومعه عدة من أسارى المسلمين والمصاحف، ووكل الباقلاني من جنده من يحفظه حتى يصل إلى مأمنه.
ويروى الخطيب البغدادي بسنده: أن الباقلاني لما ورد على ملك الروم مدينته، وعرف خبره، وبين له محله من العلم -: " أفكر في أمره، وعلم أنه لا يكفر له إذا دخل عليه، كما جرى رسم الرعية، أن تقبل الأرض بين يدي الملوك. ثم نتجت له الفكرة أن يضع سريره الذي يجلس عليه، وراء باب لطيف لا يمكن أحد أن يدخل منه إلا راكعا، ليدخل القاضي منه على تلك الحال، فيكون عوضا عن تكفيره بين يديه. فلما وضع سريره في ذلك الموضع أمر بإدخال القاضي من الباب، فسار حتى وصل إلى المكان،، فلما رآه تفكر فيه، ثم فطن بالقصة، فأدار ظهره، وحنا رأسه راكعا، ودخل من الباب وهو يمشى إلى خلفه قد استقبل الملك بدبره، حتى صار بين يديه، ثم رفع رأسه، ونصب ظهره، وأدار وجهه حينئذ إلى الملك. فعجب من فطنته، ووقعت له الهيبة في نفسه " ولست أشك في أن هذه الرواية أسطورة من الأساطير التي نسجت خيوطها حول رحلة الباقلاني إلى القسطنطينية. وفيما قصه الباقلاني، من امتناعه من خلع عمامته ونزع خفه، وتهديده بعدم الدخول على الملك، ونزول الملك على رأيه وقوله: دعوه يدخل ومن معه كما يشاءون -: ما يجعل هذه الفكرة الساذجة، بعيدة الوقوع. ولو قد وقعت لتحدث بها الباقلاني، فيما حدث به من أخبار رحلته * * * وعاد الباقلاني إلى بغداد، وظل مع عضد الدولة حتى مات في شوال سنة 372، وتولى بعده ابنه صمصام الدولة ولسنا نعرف متى تولى الباقلاني وظيفة القضاء بالثغر؟ ولا من الذي ولاه؟
وقد جاء في ترجمة أبى حامد: أحمد بن أحمد الاستوائي (358 - 434) الشافعي الأشعري: أنه " ولى القضاء بعكبرا من قبل أبى بكر بن الطيب الباقلاني "