وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله أخبر أن آل فرعون يعرضون على النار غدوا وعشيا. وجائز أن يكون ذلك العرض على النار على نحو ما ذكرناه عن الهذيل ومن قال مثل قوله، وإن يكون كما قال قتادة، ولا خبر يوجب الحجة بأن ذلك المعني به، فلا في ذلك إلا ما دل عليه ظاهر القرآن، وهم أنهم يعرضون على النار غدوا وعشيا، وأصل الغدو والعشي مصادر جعلت أوقاتا.
وكان بعض نحويي البصرة يقول في ذلك: إنما هو مصدر، كما تقول: أتيته ظلاما جعله ظرفا وهو مصدر. قال: ولو قلت: موعدك غدوة، أو موعدك ظلام، فرفعته، كما تقول: موعدك يوم الجمعة، لم يحسن، لان هذه المصادر وما أشبهها من نحو سحر لا تجعل إلا ظرفا قال: والظرف كله ليس بمتمكن وقال نحويو الكوفة: لم يسمع في ه ذه الأوقات، وإن كانت مصادر، إلا التعريب: موعدك يوم موعدك صباح ورواح، كما قال جل ثناؤه: غدوها شهر ورواحها شهر فرفع، وذكروا أنهم سمعوا: إنما الطيلسان شهران، قالوا: ولم يسمع في الأوقات النكرات إلا الرفع إلا قولهم: إنما سخاؤك أحيانا، وقالوا: إنما جاز ذلك لأنه بمعنى: إنما سخاؤك الحين بعد الحين، فلما كان تأويله الإضافة نصب.
وقوله: ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب اختلفت القراء في قراءة ذلك فقرأته عامة قراء أهل الحجاز والعراق سوى عاصم وأبي عمرو ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون بفتح الألف من أدخلوا في الوصل والقطع بمعنى: الامر بإدخالهم النار. وإذا قرئ ذلك كذلك، كان الآل نصبا بوقوع أدخلوا عليه، وقرأ ذلك عاصم وأبو عمرو: ويوم تقوم الساعة أدخلوا يوصل الألف وسقوطها في الوصل من اللفظ، وبضمها إذا ابتدئ بعد الوقف على الساعة، ومن قرأ ذلك كذلك، كان الآل على قراءته نصبا بالنداء، لان معنى الكلام على قراءته: ادخلوا يا آل فرعون أشد العذاب.
والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال إنهما قراءتان معروفتان متقاربتا المعنى قد قرأ بكل واحدة منهما جماعة من القراء، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. فمعنى الكلام إذن: ويوم تقوم الساعة يقال لآل فرعون: ادخلوا يا آل فرعون أشد العذاب، فهذا على قراءة