القارة، بالإضافة إلى القمع الذي كانت تمارسه طبقة رجال الدين الكنسي (الإكليروس) هناك، كل هذه العوامل ساهمت - إلى درجة كبيرة - في نمو المذاهب التي تقوم على أساس رفض الدين والإيمان والغيب، والاعتماد بدلا عنها على أسس المادة والتجربة والإلحاد.
ولحسن الحظ لم تستمر هذه المرحلة طويلا، إذ اجتمعت مجموعة عوامل وساعدت للقضاء على مثل هذه التصورات المنحرفة، وكأن العذاب قد مسهم عندما ركبهم الغرور والعلو.
فمن ناحية أظهرت الحرب العالمية الأولى والثانية أن التقدم العلمي والصناعي قد جعل البشرية على حافة السقوط والدمار.
ومن ناحية ثانية، فإن ظهور المفاسد الأخلاقية والاجتماعية والقتل والإبادة وأنواع الأمراض النفسية، وسلسلة الاعتداءات المالية والجنسية، كل ذلك كشف عن عجز العلوم وقصورها لوحدها عن بناء الحياة الإنسانية بشكل سليم صحيح.
من جانب ثالث، عملت المساحات المجهولة في وعي الإنسان العلمي وقصوره عن الإحاطة بكافة أسباب الظواهر الطبيعية والحياتية إلى اعترافه بالعجز عن إدراك مطلق لأسباب المعرفة من خلال العلم وحده، فعاد الكثير من العلماء إلى ساحة الإيمان وجادة الدين، وضعفت نوازع الدعاوى الإلحادية.
وفي المعترك الصعب هذا تألق الإسلام بتعليماته الشاملة والجامعة، وبدأت موجات العودة نحو الإسلام الأصيل.
ونأمل أن تكون هذه اليقظة عميقة شاملة قبل أن يشمل البأس الإلهي مرة أخرى أجزاء من هذا العالم، ونأمل أن تزول آثار ذلك الغرور باسم العلم حتى لا يكون مدعاة للخسران الكبير.
اللهم احفظنا من الغرور ومن التكبر والعناد وحب الذات الذي يقودنا إلى الهلاك وسوء العاقبة والافتضاح.