قطرات المطر تعطي الحياة، ونور الشمس يحيي الكائنات، والهواء سر الوجود والحياة، حياة جميع الكائنات، حيوانات نباتات، أناس... كلها تنزل من السماء. وتشكل هذه الأثافي الثلاث فيما بينها قوام الحياة، حيث تتفرع الأشياء الأخرى من أصولها.
بعض المفسرين أطلق على السماء اسم " عالم الغيب " وعلى الأرض اسم " عالم الشهود " ونزول الرزق من السماء إلى الأرض هو بمعنى الظهور من عالم الغيب إلى عالم الشهود.
ولكن هذا التفسير فضلا عن منافاته لظاهر الآية، لم نعثر له على دليل وشاهد، صحيح أن الوحي والآيات، هما غذاء الروح، ينزلان من سماء الغيب، وأن المطر والشمس والنور التي تعتبر غذاء الجسد تنزل من السماء الظاهرية، وهما متناسقان مع بعضهما. ولكن ينبغي أن لا نتصور أن عبارة (آياته) التي نحن بصددها تشير إلى مفهوم أوسع، أو تشير بالخصوص إلى الآيات التشريعية، لأن عبارة يريكم آياته وردت مرارا في القرآن الكريم، وهي عادة ما تطلق على الآيات الدالة على التوحيد في عالم الوجود.
مثلا، في أواخر هذه السورة (المؤمن) وبعد ذكر النعم الإلهية، من قبيل الزواحف والفلك تقول: ويريكم آياته فأي آيات الله تنكرون (1).
إن تعبير " يريكم " ينسجم في العادة مع الآيات التكوينية، بينما جرت العادة في الآيات التشريعية على استخدام تعابير مثل (أوحى) و (يأتيكم).
من هنا يتبين أن اعتبار هذه الآيات بمعنى الآيات التشريعية، وأنها أعم من التشريعية والتكوينية، كما يذهب بعض كبار المفسرين القدماء والمحدثين إلى ذلك، لا يستند إلى دليل، ولا تقوم عليه حجة.
ولكن من الضروري أن نلتفت إلى أن القرآن يختار الإشارة إلى آية الرزق