فهؤلاء خاسرون من ناحيتين: من ناحية تركهم الهداية واختيار الضلالة، ومن ناحية حرمانهم من رحمة الله واستحقاقهم بدل ذلك العقاب الإلهي، وهذه مبادلة لا يقدم عليها إنسان عاقل.
لذلك تتحدث الآية عن هؤلاء بلغة التعجب وتقول: فما أصبرهم على النار؟!
آخر آية في بحثنا تقول إن ذلك التهديد والوعيد بالعذاب لكاتمي الحق، يعود إلى أن الله أنزل القرآن بالدلائل الواضحة، حتى لم تبق شبهة لأحد: ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق.
مع ذلك فإن زمرة محرفة تعمد إلى كتمان الحقائق صيانة لمصالحها، وتثير الاختلاف في الكتاب السماوي لتتصيد في الماء العكر.
مثل هؤلاء الذين يثيرون الاختلاف في الكتاب السماوي بعيدون عن الحقيقة: وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد.
كلمة " شقاق " تعني في الأصل الشق والانفصال، ولعل المراد به أن الإيمان والتقوى ونشر الحقائق رمز وحدة المجتمع الإنساني، أما الخيانة وكتمان الحقائق فعامل التفرقة والتبعثر والانشقاق لا الانشقاق السطحي الذي يمكن التغافل عنه بل البعيد والعميق.
* * *