هذه الآيات تأكيد على ما مر في الآية 159 بشأن كتمان الحق. وهي - وإن كانت تخاطب أحبار اليهود - لها مفهوم عام، لا تقتصر - كما ذكرنا مرارا - على سبب نزولها. فسبب النزول - في الواقع - وسيلة لبيان الأحكام الكلية العامة، ومصداق من مصاديق الحكم الكلي للآية.
فكل الذين يكتمون أحكام الله وما يحتاجه الناس من حقائق طلبا للرئاسة أو الثروة، قد ارتكبوا خيانة كبرى، وعليهم أن يعلموا أنهم باعوا حقيقة نفيسة بثمن بخس، وهي تجارة خاسرة.
الآية الأولى تقول: إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار.
هذه الهدايا والعطايا التي ينالونها من هذا الطريق نيران محرقة تدخل بطونهم. هذا التعبير يوضح ضمنيا مسألة تجسيم الأعمال في الآخرة وتدل على أن الأموال المكتسبة عن هذا الطريق المحرم، هي في الواقع نيران تدخل في بطونهم وستتجسم بشكل واقعي في الآخرة.
ثم تتعرض الآية إلى عقاب معنوي سينال هؤلاء أشد من العقاب المادي، وتقول: ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم.
وفي موضع آخر ذكر القرآن مثل هذا اللون من العقاب لأولئك الذين ينكثون عهد الله من أجل مصالح تافهة، فقال: إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم (1).
يستفاد من هذه الآية والآية التالية أن واحدة من أعظم المواهب الإلهية في الآخرة أن يكلم الله المؤمنين تلطفا بهم. أي إن المؤمنين سينالون في الآخرة نفس