3 3 - الارتباط بالناس:
المتقون - إضافة إلى ارتباطهم الدائم بالخالق - لهم ارتباط وثيق ومستمر بالمخلوقين، ومن هنا كانت الصفة الثالثة التي يبينها لهم القرآن أنهم ومما رزقناهم ينفقون.
يلاحظ أن القرآن لا يقول: ومن أموالهم ينفقون، بل يقول: ومما رزقناهم ينفقون، وبذلك وسع نطاق الإنفاق ليشمل المواهب المادية والمعنوية.
فالمتقون لا ينفقون أموالهم فسحب، بل ينفقون من علمهم ومواهبهم العقلية وطاقاتهم الجسمية ومكانتهم الاجتماعية، وبعبارة أخرى ينفقون من جميع إمكاناتهم لمن له حاجة إلى ذلك دون توقع الجزاء منه.
الملاحظة الأخرى: إن الإنفاق قانون عام في عالم الخليقة، وخاصة في التركيب العضوي لكل موجود حي. قلب الإنسان لا يعمل لنفسه فقط، بل ينفق ما عنده لجميع خلايا البدن. الدماغ والرئة وسائر أجهزة البدن تنفق دائما من ثمار عملها، والحياة الجماعية - أساسا - لا مفهوم لها دو نما إنفاق (1).
الارتباط بالناس في الحقيقة حصيلة الارتباط بالله. فالإنسان المرتبط بالله يؤمن أن كل ما لديه من نعم إنما هي مواهب إلهية مودعة لديه لفترة زمنية معينة.
ومن هنا فلا يزعجه الإنفاق بل يسره ويفرحه، لأنه بالإنفاق قسم مال الله بين عباد الله، وبقيت له نتائج هذا العمل وبركاته المادية والمعنوية. وهذا التفكير يطهر روح الإنسان من البخل والحسد، ويحول الحياة من ساحة لتنازع البقاء إلى مسرح للتعاون حيث يشعر كل فرد بأنه مسؤول أن يضع ما لديه من مواهب تحت تصرف كل المحتاجين، مثل الشمس تفيض بأشعتها على الموجودات دون أن