تمنن تستكثر) فمن مد آتيتم فلأن المعنى أعطيتم. ومن قصر، فإنه يؤول في المعنى إلى قول من مد، إلا أن أتيتم على لفظ جئتم، كما تقول: جئت زيدا، فكأنه قال:
ما جئتم من ربا. ومجيئهم لذلك إنما هو على وجه الإعطاء له، كما تقول: أتيت الخطأ، وأتيت الصواب. قال الشاعر:
أتيت الذي يأتي السفيه لغرتي، إلى أن علا وخط من الشيب مفرقي فإتيانه الذي يأتيه السفيه، إنما هو فعل منه له. قال: ولم يختلفوا في مد وما آتيتم من زكاة فهو كقوله (وإيتاء الزكاة)، وإن كان لو قال أتيت الزكاة لجاز أن يعني به فعلتها، ولكن الذي جاء منه في التنزيل، وفي سائر الكلام الإيتاء. ومن قرأ (ليربو)، فإن فاعله الربا المذكور في قوله (وما آتيتم من ربا) وقدر المضاف وحذفه، كأنه في اجتلاب أموال الناس، واجتذابه، ونحو ذلك، وكأنه سمى هذا المدفوع على وجه اجتلاب الزيادة ربا، ولو قصد به وجه الله، لما كان الغرض فيه الاستزادة على ما أعطى، فسمي باسم الزيادة. والرباء هو الزيادة بذلك سمي المحرم المتوعد فاعلة بالزيادة ما يأخذ على ما أعطى، والمدفوع ليس في الحقيقة ربا، إنما المحرم الزيادة التي يأخذها زيدا على ما أعطى، فسمي الجميع ربا. فكذلك ما أعطاه الواهب والمهدي لاستجلاب الزيادة سمي ربا، لمكان الزيادة المقصودة في المكافأة. فوجه (ليربوا في أموال الناس): ليربوا ما آتيتم، فلا يربو عند الله، لأنه لم يقصد به وجه البر والقربة، إنما قصد به اجتلاب الزيادة. ولو قصد به وجه الله تعالى لكان كقوله (وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون) أي.
صاروا ذوي أضعاف من الثواب على ما أتوا من الزكاة يعطون بالحسنة عشرا فله عشر أمثالها. وقول نافع (لتربوا) أي: لتصيروا ذوي زيادة فيما أتيتم من أموال الناس أي:
تستدعونها وتجتلبونها. وكأنه من أربى أي: صار ذا زيادة مثل أقطف وأجرب.
المعنى: لقا تقدم ذكر المشركين، عقبه سبحانه بذكر أحوالهم في البطر عند النعمة، واليأس عند الشدة، فقال: (وإذا أذقنا الناس رحمة) أي: إذا آتيناهم نعمة من عافية، وصحة جسم، أو سعة رزق، أو أمن ودعة (فرحوا بها) أي:
سروا بتلك الرحمة (وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم) أي: وإن أصابهم بلاء