بين العامل والمعمول. رجعنا إلى كلام أبي علي، فأما تأمروني، فالقياس تأمرونني، ويدغم فيصير تأمروني. وجاز الإدغام وإسكان النون المدغمة، لأن قبلها حرف لين، وهو الواو في تأمرونني.
ومن خفف فقال تأمروني، ينبغي أن يكون حذف النون الثانية المصاحبة لعلامة المنصوب المتكلم، لأنها قد حذفت في مواضع نحو: (يسوء الفاليات إذا فليني) (1).
وإني وكأني وقدي وقدني، وإنما قدرنا حذف الثانية، لأن التكرير والتثقيل به وقع، ولأن حذف الأولى لحن، لأنها دلالة الرفع، وعلى هذا يحمل قول الشاعر:
أبالموت الذي لابد أني * ملاق لا أباك تخوفيني وفتح الياء من تأمروني، وإسكانها جميعا، سائغ حسن.
المعنى: لما أخبر الله سبحانه عن حال الكفار، عقبه بذكر حال الأتقياء الأبرار، فقال: (وينجي الله الذين اتقوا) معاصيه خوفا من عقابه (بمفازتهم) أي:
بمنجاتهم من النار. وأصل المفازة المنجاة، وبذلك سميت المفازة على وجه التفاؤل بالنجاة منها، كما سموا اللديغ (2) سليما. (لا يمسهم السوء) أي: لا يصيبهم المكروه والشدة (ولا هم يحزنون) على ما فاتهم من لذات الدنيا.
ولما ذكر الوعد والوعيد، بين سبحانه أنه القادر على كل شئ بقوله: (الله خالق كل شئ) أي: محدث كل شئ ومبدعه (وهو على كل شئ وكيل) أي:
حافظ مدبر (له مقاليد السماوات والأرض) واحدها مقليد ومقلاد، يريد مفاتيح السماوات والأرض بالرزق والرحمة، عن ابن عباس، وقتادة. وقيل: خزائن السماوات والأرض يفتح الرزق على من يشاء، ويغلقه عمن يشاء، عن الضحاك.
(والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون) لأنهم يخسرون الجنة ونعيمها، ويصلون النار وسعيرها.
ثم أعلم سبحانه أنه المعبود لا معبود سواه بقوله: (قل) يا محمد لهؤلاء الكفار (أفغير الله تأمروني أعبد) أي: أتامرونني أن أعبد غير الله (أيها الجاهلون) فيما