من المتقين) لأن معناه: ما هداني. فقيل لها: بلى قد جاءتك آياتي، لأن بلى جواب النفي، وليس في الظاهر نفي، فيحمل على المعنى. (وجوههم مسودة):
مبتدأ وخبر. والجملة في موضع نصب على الحال، واستغنى عن الواو لمكان الضمير. ويجوز في غير القرآن (وجوههم) بالنصب على البدل من (الذين كذبوا) أي: ترى وجوه الذين كذبوا على الله مسودة بالنصب. ومثل النصب قول عدي بن زيد:
دعيني إن أمرك لن يطاعا، * وما ألفيتني حلمي مضاعا المعنى: لما أمر الله سبحانه باتباع الطاعات، واجتناب المقبحات، تحذيرا من نزول العقوبات، بين الغرض في ذلك بقوله: (أن تقول نفس) أي: خوف أن تقول، أو حذرا من أن تقول. والمعنى: كراهة أن تصيروا إلى حال تقولون فيها:
(يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله) أي: يا ندامتي على ما ضيعت من ثواب الله، عن ابن عباس. وقيل: قصرت في أمر الله، عن مجاهد، والسدي. وقيل:
في طاعة الله، عن الحسن. قال الفراء: الجنب القرب أي: في قرب الله وجواره، يقال: فلان يعيش في جنب فلان أي: في قربه وجواره. ومنه قوله تعالى:
(والصاحب بالجنب) فيكون المعنى على هذا القول: على ما فرطت في طلب جنب الله أي: في طلب جواره وقربه، وهو الجنة. وقال الزجاج: أي فرطت في الطريق الذي هو طريق الله، فيكون الجنب بمعنى الجانب أي: قصرت في الجانب الذي يؤدي إلى رضا الله. وروى العياشي بالإسناد عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: نحن جنب الله.
(وإن كنت لمن الساخرين) أي: وإني كنت لمن المستهزئين بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم والقرآن، وبالمؤمنين في دار الدنيا، عن قتادة، والسدي. وقيل: من الساخرين ممن يدعوني إلى الإيمان (أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين) أي: فعلنا ذلك كراهة أن تقول لو أراد الله هدايتي، لكنت ممن يتقي معاصيه خوفا من عقابه.
وقيل: إنهم لما لم ينظروا في الأدلة، وأعرضوا عن القرآن، واشتغلوا بالدنيا والأباطيل، توهموا أن الله تعالى لم يهدهم، فقالوا ذلك بالظن. ولهذا رد الله عليهم بقوله (بلى قد جاءتك آياتي) الآية. وقيل: معناه لو أن الله هداني إلى النجاة، بان يردني إلى حال التكليف، لكنت ممن يتقي المعاصي، عن الجبائي قال: لأنهم