الانسان واقعا بالطبيعة، لأن الطبيعة في حكم الموات في أنها ليست بحية قادرة، فكيف يصح منها الفعل، ولا أن يكون كذلك بالاتفاق لأن المحدث لا بد له من محدث قادر عالم. وفي الآية دلالة على صحة استعمال النظر في الدين، لأن الله سبحانه أقام الحجة على المشركين بقياس النشأة الثانية على النشأة الأولى، وألزم من أقر بالأولى أن يقر بالثانية.
ثم أحل سبحانه الانكار عليه فقال: (وضرب لنا مثلا) أي: ضرب المثل في إنكار البعث بالعظم البالي، وفته بيده، وتعجب ممن يقول إن الله يحييه (ونسي خلقه) أي: وترك النظر في خلق نفسه، إذ خلق من نطفة، ثم بين ذلك المثل بقوله: (قال من يحيى العظام وهي رميم) أي: بالية. واختلف في القائل لذلك فقيل: هو أبي بن خلف، عن قتادة، ومجاهد، وهو المروي عن الصادق عليه السلام.
وقيل: هو العاص بن وائل السهمي، عن سعيد بن جبير. وقيل: أمية بن خلف، عن الحسن.
ثم قال سبحانه في الرد عليه: (قل) يا محمد لهذا المتعجب من الإعادة (يحييها الذي أنشأها أول مرة) لأن من قدر على اختراع ما يبقى، فهو على إعادته قادر، لا محالة (وهو بكل خلق عليم) من الابتداء والإعادة، فيعلم به قبل أن يخلقه أنه إذا خلقه كيف يكون، ويعلم به قبل أن يعيده، إنه إذا أعاده كيف يكون.
ثم زاد سبحانه في البيان، وأخبر عن صنعه بما هو عجيب الشأن، فقال: (الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون) أي: جعل لكم من الشجر الرطب المطفئ للنار نارا محرقة، يعني بذلك المرخ والعفار، وهما شجرتان يتخذ الأعراب زنودها منهما، فبين سبحانه أن من قدر على أن يجعل في الشجر الذي هو في غاية الرطوبة نارا حامية مع مضادة النار للرطوبة، حتى إذا احتاج الانسان، حك بعضه ببعض، فتخرج منه النار، وينقدح، قدر أيضا على الإعادة. وتقول العرب:
(في كل شجر نار، واستمجد المرخ والعفار) (1). وقال الكلبي: كل شجر تنقدح منه النار إلا العناب.
ثم ذكر سبحانه من خلقه ما هو أعظم من الانسان، فقال: (أوليس الذي خلق