بعد القوة إلى الضعف، وبعد زيادة الجسم إلى النقصان، وبعد الجدة والطراوة إلى البلى والخلوقة، فكأنه نكس خلقه. وقيل: ننكسه ونرده إلى حال الهرم التي تشبه حال الصبي في ضعف القوة، وعزوب العلم، عن قتادة. (أفلا تعقلون) أي: أفلا تتدبرون في أن الله تعالى يقدر على الإعادة، كما قدر على ذلك، وإنما قال على الخطاب لقوله (ألم أعهد إليكم) ومن قرأ بالياء، فالمعنى أفليس لهم عقل فيعتبروا ويعلموا ذلك.
ثم أخبر سبحانه عن نبيه صلى الله عليه وآله وسلم كيدا لقوله (إنك لمن المرسلين) فقال: (وما علمناه الشعر) يعني قول الشعراء، وصناعة الشعر أي: ما أعطيناه العلم بالشعر وانشائه (وما ينبغي له) أن يقول الشعر من عند نفسه. وقيل: معناه ما يتسهل له الشعر، وما كان يتزين له بيت شعر حتى إنه إذا تمثل بيت شعر جرى على لسانه منكسرا، كما روي عن الحسن: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يتمثل بهذا البيت: (كفى الاسلام والشيب للمرء ناهيا) فقال أبو بكر: يا رسول الله إنما قال الشاعر: (كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا) (1) أشهد أنك رسول الله، وما علمك الشعر، وما ينبغي لك. وعن عائشة أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتمثل ببيت أخي بني قيس:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ويأتيك بالأخبار من لم تزود فجعل يقول: (يأتيك من لم تزود بالأخبار) فيقول أبو بكر: ليس هكذا يا رسول الله. فيقول: إني لست بشاعر، وما ينبغي لي. فأما قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب فقد قال قوم: إن هذا ليس بشعر. وقال آخرون: إنما هو اتفاق منه، وليس بقصد إلى قول الشعر. وقيل: إن معنى الآية: وما علمناه الشعر بتعليم القرآن، وما ينبغي للقرآن أن يكون شعرا، فإن نظمه ليس بنظم الشعر، وقد صح أنه كان يسمع الشعر، ويحث عليه. وقال لحسان بن ثابت: (لا تزال يا حسان مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك) (2).