السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم) هذا استفهام معناه التقرير، يعني:
من قدر على خلق السماوات والأرض، واختراعهما مع عظمهما، وكثرة أجزائهما يقدر على إعادة خلق البشر. ثم أجاب سبحانه هذا الاستفهام بقوله (بلى) أي هو قادر على ذلك (وهو الخلاق) أي يخلق خلقا بعد خلق (العليم) بجميع ما خلق.
ثم ذكر قدرته على إيجاد الأشياء فقال: (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) والتقدير: أن يكونه فيكون. فعبر عن هذا المعنى بكن لأنه أبلغ فيما يراد، وليس هنا قول، وإنما هو إخبار بحدوث ما يريده تعالى. وقيل: إن المعنى إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول من أجله كن فيكون. فعبر عن هذا المعنى بكن. وقيل: إن هذا إنما هو في التحويلات نحو قوله (كونوا قردة خاسئين) و (كونوا حجارة أو حديدا) وما أشبه ذلك.
ولفظ الأمر في الكلام على عشرة أوجه أحدها: الأمر لمن هو دونك والثاني:
الندب كقوله (فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا). وثالثها: الإباحة نحو قوله (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا)، (وإذا حللتم فاصطادوا) والرابع: الدعاء (ربنا آتنا من لدنك رحمة). الخامس: الترفيه كقوله. أرفق بنفسك السادس: الشفاعة نحو قولك: شفعني فيه السابع: التحويل نحو: (كونوا قردة خاسئين) و (كونوا حجارة أو حديدا) الثامن: التهديد نحو قوله: (اعملوا ما شئتم) التاسع: الاختراع والإحداث نحو قوله: (كن فيكون). العاشر: التعجب نحو (أبصر بهم وأسمع).
قال علي بن عيسى في قوله (كن فيكون) الأمر ههنا أفخم من الفعل، فجاء للتفخيم والتعظيم، قال: ويجوز أن يكون بمنزلة التسهيل والتهوين، فإنه إذا أراد فعل شئ فعله بمنزلة ما يقول للشئ كن فيكون في الحال، وأنشد.
فقالت له العينان: سمعا وطاعة، وحدرتا كالدر لما يثقب وإنما أخبر عن سرعة دمعه، دون أن يكون ذلك قولا على الحقيقة. ثم نزه سبحانه نفسه من أن يوصف بما لا يليق به فقال: (فسبحان الذي بيده ملكوت كل شئ) أي: تنزيها له من نفي القدرة على الإعادة، وغير ذلك مما لا يليق بصفاته الذي بيده أي: بقدرته ملك كل شئ، ومن قدر على كل شئ، قدر على إحياء العظام الرميم، وعلى خلق كل شئ، وإفنائه، وإعادته. (وإليه ترجعون) يوم القيامة أي: تردون إلى حيث لا يملك الأمر والنهي أحد سواه، فيجازيكم بالثواب والعقاب، على الطاعات والمعاصي، على قدر أعمالكم.