إسحاق، عن البراء قالوا: ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الخندق، أقبلت قريش حتى نزلت بين الجرف والغابة (1)، في عشرة آلاف من أحابيشهم (2)، ومن تابعهم من بني كنانة، وأهل تهامة، وأقبلت غطفان ومن تابعهم من أهل نجد، حتى نزلوا إلى جانب أحد، وخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع (3)، في ثلاثة آلاف من المسلمين. فضرب هناك عسكره، والخندق بينه وبين القوم. وأمر بالذراري والنساء فرفعوا في الآطام (4)، وخرج عدو الله حيي بن أخطب النضيري، حتى أتى كعب بن أسد القرظي، صاحب بني قريظة، وكان قد وادع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على قومه، وعاهده على ذلك. فلما سمع كعب صوت ابن أخطب، أغلق دونه حصنه، فاستأذن عليه فأبى أن يفتح له فناداه: يا كعب! إفتح لي. فقال:
ويحك يا حيي! إنك رجل مشؤوم. إني قد عاهدت محمدا صلى الله عليه وآله وسلم ولست بناقض ما بيني وبينه، ولم أر منه إلا وفاء وصدقا. قال: ويحك إفتح لي أكلمك! قال: ما أنا بفاعل. قال: إن أغلقت دوني إلا على حشيشة، تكره أن آكل منها معك، فأحفظ الرجل (5). ففتح له فقال: ويحك يا كعب! جئتك بعز الدهر، وببحر طام (6).
جئتك بقريش على قادتها وسادتها، وبغطفان على سادتها وقادتها. قد عاهدوني أن لا يبرحوا حتى يستأصلوا محمدا ومن معه! فقال كعب. جئتني والله بذل الدهر بجهام (7) قد هراق ماؤه، يرعد ويبرق وليس فيه شئ، فدعني ومحمدا، وما أنا عليه. فلم أر من محمد إلا صدقا ووفاء.
فلم يزل حيي بكعب يفتل منه في الذروة والغارب (8)، حتى سمح له على أن أعطاه عهدا وميثاقا: لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمدا، أن أدخل معك