المعنى يداك يدان بدلالة قوله " إحداهما ". فعلى هذا يجوز أن يراد بالإفراد في قوله (واضمم إليك جناحك) التثنية. وقيل: إنه لما ألقى العصا، وصارت حية، بسط يديه كالمتقي وهما جناحاه. فقيل له: اضمم إليك جناحك أي: ما بسطته من يديك. والمعنى: لا تبسط يديك خوف الحية، فإنك آمن من ضررها. ويجوز أن يكون معناه: اسكن ولا تخف، فإن من هاله أمر أزعجه حتى كأنه يطيره، وآلة الطيران الجناح. فكأنه عليه السلام قد بلغ نهاية الخوف، فقيل له: ضم منشور جناحك من الخوف، وأسكن. وقيل: معناه إذا هالك أمر يدك، لما تبصر من شعاعها، فاضممها إليك لتسكن.
(فذانك برهانان من ربك) معناه: فاليد والعصا حجتان من ربك على نبوتك. (إلى فرعون وملئه) أي: أرسلناك إلى فرعون وملئه، بهاتين الآيتين الباهرتين. (إنهم كانوا قوما فاسقين) أي: خارجين من طاعة الله إلى أعظم المعاصي، وهو الكفر. (قال) موسى (رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلوني) بتلك النفس (وأخي هارون هو أفصح مني لسانا) وإنما قال ذلك لعقدة كانت في لسانه، وقد مر فيما مضى ذكر سببها، وقد كان الله تعالى أزال أكثرها، أو جميعها بدعائه.
(فأرسله معي ردءا) أي: معينا لي على تبليغ رسالتك. يقال: فلان ردء لفلان: إذا كان ينصره، ويشد ظهره. (يصدقني إني أخاف أن يكذبوني) أي:
مصدقا لي على ما أؤديه من الرسالة. وإن جزمته فالمعنى: إنك إن ترسله معي يصدقني. وإنما كان سؤاله ذلك بعد أن أذن له فيه، لأن الانسان لا يعلم أن المصلحة في إرسال نبي واحد، أو اثنين، إلا بالوحي. وقال مقاتل: معناه لكي يصدقني فرعون. (قال سنشد عضدك بأخيك) هذه استعارة رابعة، والمعنى سنجعله رسولا معك، ونؤيدك بأن نقرنه إليك في النبوة، وننصرك به. (ونجعل لكما سلطانا) أي: حجة وقوة وبرهانا. (فلا يصلون إليكما بآياتنا) أي: لا يصل فرعون وقومه إلى الإضرار بكما، بسبب ما نعطيكما من الآيات، وما يجري على أيديكما من المعجزات، فيخافكما فرعون وقومه لأجلها. وقيل: إن قوله (بآياتنا): موضعه التقديم أي: ونجعل لكما سلطانا بآياتنا، فلا يصلون إليكما.
ثم أخبر أن الغلبة لهما عليهم فقال: (أنتما ومن اتبعكما الغالبون) على