من في السماوات) الآية. وقيل: هي ثلاث نفخات: الأولى نفخة الفزع، والثانية نفخة الصعق، والثالثة نفخة القيام لرب العالمين. (إلا من شاء الله) من الملائكة الذين يثبت الله قلوبهم، وهم: جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل. وقيل: يعني الشهداء، فإنهم لا يفزعون في ذلك اليوم. وروي ذلك في خبر مرفوع. (وكل) من الأحياء الذين ماتوا، ثم أحيوا (أتوه) أي: يأتونه في المحشر (داخرين) أي:
أذلاء صاغرين، عن ابن عباس وقتادة. (وترى الجبال تحسبها جامدة) أي: واقفة مكانها، لا تسير، ولا تتحرك في مرأى العين (وهي تمر مر السحاب) أي: تسير سيرا حثيثا مثل سير السحاب، عن ابن عباس. وفي مثل هذا المعنى قول النابغة الجعدي، يصف جيشا:
بأرعن مثل الطود، تحسب أنهم * وقوف لحاج، والركاب تهملج (1) أي: تحسب أنهم وقوف من أجل كثرتهم والتفافهم، فكذلك المعنى في الجبال، أنك لا ترى سيرها لبعد أطرافها، كما لا ترى سير السحاب إذا انبسط، لبعد أطرافه. وذلك إذا أزيلت الجبال عن أماكنها، للتلاشي، كما في قوله:
(وتكون الجبال كالعهن المنفوش). (صنع الله) أي: صنع الله ذلك صنعا، وانتصب بما دل عليه ما تقدمه من قوله (وهي تمر مر السحاب). وذكر اسم الله، لأنه لم يأت ذكره فيما قبل، وإنما دل عليه (الذي أتقن كل شئ) أي: خلق كل شئ على وجه الإتقان والإحكام والاتساق، قال قتادة: أي أحسن كل شئ خلقه.
وقيل: الإتقان حسن في ايثاق. (إنه خبير بما تفعلون) أي: عليم بما يفعل أعداؤه من المعصية، وبما يفعل أولياؤه من الطاعة.
ثم بين سبحانه كيفية الجزاء على أفعال الفريقين، فقال: (من جاء بالحسنة) أي: بكلمة التوحيد والإخلاص، عن قتادة. وقيل: بالإيمان، عن النخعي. وكان يحلف، ولا يستثني، إن الحسنة لا إله إلا الله، والمعنى من وافى يوم القيامة بالإيمان (فله خير منها) قال ابن عباس: أي فمنها يصل الخير إليه، والمعنى قوله فله من تلك الحسنة خير يوم القيامة وهو الثواب والأمان من العقاب. فخير ها هنا