فتخافوا تلف أموالكم به، وكل واحد من هذين المعنيين يقوي الداعي إلى قبول قول الغير، ويبعد عن التهمة. (قالوا أنؤمن لك) أي: نصدقك فيما تقول (واتبعك الأرذلون) أي: وقد اتبعك سفلة الناس، وأراذلهم، وخساسهم، عن قتادة.
وقيل: يعنون المساكين الذين ليس لهم مال، ولا عز، عن عطا. وقيل: يعنون الحاكة والأساكفة، عن الضحاك، وعلقمة. والمعنى: إن أتباعك أراذلنا وفقراؤنا، وأصحاب الأعمال الدنية، والمهن الخسيسة، فلو اتبعناك لصرنا مثلهم، ومعدودين في جملتهم. وهذا جهل منهم لأنه ليس في إيمان الأرذلين به ما يوجب تكذيبه، فإن الرذل إذا أطاع سلطانه، استحق التقرب عنده دون الشريف العاصي.
(قال وما علمي بما كانوا يعملون) أي: ما أعلم أعمالهم وصنائعهم، ولم أكلف ذلك، وإنما كلفت أن أدعوهم إلى الله، وقد أجابوني إليه (إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون) أي: ليس حسابهم إلا على ربي الذي خلقني وخلقهم، لو تعلمون ذلك ما عبتموهم بصنائعهم. (وما أنا بطارد المؤمنين إن أنا إلا نذير مبين) أي: ما أنا بالذي لا يقبل الإيمان من الذين تزعمون أنهم الأرذلون، لأني لست إلا نذيرا مخوفا من معصية الله، داعيا إلى طاعته، مبينا لها.
(قالوا) له عند ذلك: (لئن لم تنته يا نوح) أي: إن لم ترجع عما تقوله، وتدعو إليه (لتكونن من المرجومين) بالحجارة، عن قتادة. وقيل: من المرجومين بالشتم، عن الضحاك. (قال) نوح (رب إن قومي كذبوني فافتح بيني وبينهم فتحا) أي: فاقض بيننا قضاء بالعذاب، لأنه قال: (ونجني ومن معي من المؤمنين) أي: من ذلك العذاب (فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون) أي:
فخلصناه ومن معه من المؤمنين في السفينة المملوءة من الناس وغيرهم من الحيوانات.
(ثم أغرقنا بعد) أي بعد نجاة نوح، ومن معه (الباقين) أي: الخارجين عن السفينة، الكافرين به (إن في ذلك لآية) واضحة على توحيد الله (وما كان أكثرهم مؤمنين) وليس هذا بتكرار، وإنما كل واحد في قصة على حدة. فهذا ذكر آية في قصة نوح، وما كان من شأنه، بعد ذكر آية مما كان في قصة إبراهيم، وذكر آية أخرى في قصة موسى وفرعون، فبين أنه ذكر كلا من ذلك لما فيه من الآية الباهرة.