أي: ألم تر إلى فعل ربك، ثم حذف المضاف، عن مقاتل. وقيل: معناه ألم تعلم فيكون مات رؤية القلب، عن الزجاج. وذكر أن هذا على القلب، وتقديره: ألم تر إلى الظل كيف مده ربك، يعني الظل من وقت طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، عن ابن عباس والضحاك وسعيد بن جبير. وجعله ممدودا لأنه لا شمس معه، كما قيل في ظل الجنة ممدودا إذ لم تكن معه الشمس. وقال أبو عبيدة: الظل ما نسخته الشمس وهو بالغداة والفئ ما نسخ الشمس وهو بعد زوال الشمس. ويسمى فيئا لأنه فاء من جانب المشرق إلى جانب المغرب. وقيل مد الظل من وقت غروب الشمس إلى وقت طلوعها، فيكون الظل بالليل، لأنه ظل الأرض، عن الجبائي والبلخي.
(ولو شاء لجعله ساكنا) أي: مقيما دائما لا يزول، ولا تنسخه الشمس. يقال:
فلان يسكن بلد كذا: إذا أقام به. فهو مثل قول سبحانه: (قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة) الآية. في المعنى وفي هذا إشارة إلى أنه قادر على تسكين الشمس، حتى يبقى الظل ممدودا بخلاف ما يقوله الفلاسفة.
(ثم جعلنا الشمس عليه) أي: على الظل (دليلا) قال ابن عباس: تدل الشمس على الظل بمعنى: أنه لولا الشمس لما عرف الظل، ولولا النور لما عرفت الظلمة، وكل الأشياء تعرف بأضدادها. وقيل: معناه ثم جعلنا الشمس عليه دليلا بإذهابها إياه عند مجيئها، عن ابن زيد. وقيل: لأن الظل يتبع الشمس في طوله وقصره، كما يتبع السائر الدليل، فإذا ارتفعت الشمس قصر الظل، وإذا انحطت الشمس طال الظل. وقيل: إن على هنا بمعنى مع، فالمعنى: ثم جعلنا الشمس مع الظل دليلا على وحدانيتنا.
(ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا) أي: قبضنا الظل بارتفاع الشمس، لأن الشمس كلما تعلو ينقص الظل، فجعل سبحانه ذلك قبضا. وأخبر أن ذلك يسير، بمعنى أنه سهل عليه، لا يعجزه. قال الكلبي: إذا طلعت الشمس قبض الله الظل قبضا خفيا، والمعنى: ثم جمعنا أجزاء الظل المنبسط بتسليط الشمس عليه، حتى ننسخها شيئا فشيئا. وقيل: معناه ثم قبضنا الظل بغروب الشمس إلينا أي: إلى الموضع الذي حكمنا بكون الظل فيه. قبضا يسيرا أي: خفيا. وإنما قيل ذلك، لأن الظل لا يذهب بغروب الشمس دفعة، بل يذهب جزءا فجزءا بحدوث الظلام. فكلما حدث جزء من الظلام نقص جزء من الظل.