المعنى: ثم عزى الله سبحانه نبيه بقوله: (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين) أي: وكما جعلنا لك عدوا من مشركي قومك، جعلنا لكل نبي عدوا من كفار قومه، عن ابن عباس. والمعنى في جعله إياهم عدوا لأنبيائه: أنه تعالى أمر الأنبياء عليهم السلام أن يدعوهم إلى الإيمان بالله تعالى، وترك ما ألفوه من دينهم، ودين آبائهم، وإلى ترك عبادة الأصنام وذمها، وكانت هذه أسبابا داعية إلى العداوة، فإذا أمرهم بها فقد جعلهم عدوا لهم.
(وكفى بربك هاديا ونصيرا) أي: حسبك بالله هاديا إلى الحق، وناصرا لأوليائه في الدنيا والآخرة على أعدائهم. وقيل: هاديا للأنبياء إلى التحرز عن عداوة المجرمين بالاعتصام بحبله. (وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة) معناه: وقال الكفار لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هلا أتيتنا بالقرآن جملة واحدة، كما أنزلت التوراة والإنجيل والزبور جملة واحدة. قال الله تعالى: (كذلك) أي: نزلناه كذلك متفرقا (لنثبت به فؤادك) أي: لنقوي به قلبك فتزداد بصيرة، وذلك أنه إذا كان يأتيه الوحي متجددا في كل حادثة، وكل أمر، كان ذلك أقوى لقلبه، وأزيد في بصيرته.
وقيل: إنما أنزلت الكتب جملة واحدة، لأنها نزلت على أنبياء يكتبون ويقرؤون، فنزلت عليهم مكتوبة. والقرآن إنما نزل على نبي أمي لا يكتب ولا يقرأ، ولذلك نزل متفرقا، وأيضا فإن في القرآن الناسخ والمنسوخ. وفيه ما هو جواب لمن سأله عن أمور، وفيه ما هو إنكار لما كان. وفيه ما هو حكاية شئ جرى. فاقتضت الحكمة إنزاله متفرقا.
(ورتلناه ترتيلا) أي: بيناه تبيينا، ورسلناه ترسيلا، بعضه في أثر بعض، عن ابن عباس ومجاهد وقتادة. وقيل: فصلناه تفصيلا، عن السدي. وقيل. فرقناه تفريقا، عن النخعي. وروي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: يا بن عباس! إذا قرأت القرآن فرتله ترتيلا. قال: وما الترتيل؟ قال. (بينه تبيينا، ولا تنثره نثر - الدقل، ولا تهذه هذ الشعر (1)، قفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، ولا يكونن هم أحدكم آخر السورة (ولا يأتونك بمثل) أي: ولا يأتيك المشركون بمثل يضربونه لك في إبطال أمرك ومخاصمتك (إلا جئناك بالحق) الذي يبطله ويدحضه (وأحسن تفسيرا) أي: