المعنى: ثم حكى سبحانه عن الكفار الذين وصفهم فيما تقدم، فقال: (وإذا رأوك) أي: وإذا شاهدوك يا محمد (إن يتخذونك إلا هزوا) أي: ما يتخذونك إلا مهزوا به، والمعنى أنهم يستهزئون بك، ويستصغرونك، ويقولون على وجه السخرية: (أهذا الذي بعث الله رسولا) أي: بعثه الله إلينا رسولا (إن كاد ليضلنا عن آلهتنا) قال ابن عباس: معناه لقد كاد يصرفنا عن عبادة آلهتنا، وتأويله: قد قارب أن يأخذ بنا في غير جهة عبادة آلهتنا، على وجه يؤدي إلى هلاكنا، فإن الإضلال: الأخذ بالشئ إلى طريق الهلاك. (لولا أن صبرنا عليها) أي: على عبادتها، لأزلنا عن ذلك. وحذف الجواب لدلالة الكلام عليه.
فقال سبحانه متوعدا لهم: (وسوف يعلمون حين يرون العذاب) الذي ينزل بهم في الآخرة عيانا (من أضل سبيلا) أي: من أخطأ طريقا عن الهدى، أهم أم المؤمنون. ثم عجب سبحانه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم من نهاية جهلهم، فقال: (أرأيت من اتخذ إلهه هواه) أي: من جعل إلهه ما يهواه، وهو غاية الجهل. وكان الرجل من المشركين يعبد الحجر والصنم، فإذا رأى أحسن منه، رمى به وأخذ يعبد الآخر، عن سعيد بن جبير. وقيل: معناه أرأيت من ترك عبادة خالقه وإلهه، ثم هوى حجرا فعبده، ما حاله عندك، عن عطاء، عن ابن عباس. وقيل: من أطاع هواه واتبعه، فهو كالإله، وترك الحق، عن القتيبي.
(أفأنت تكون عليه وكيلا) أي: أفأنت كفيل حافظ يحفظه من أتباع هواه، وعبادة ما يهواه من دون الله أي: لست كذلك. وقيل: معناه أتقدر أنت يا محمد أن تهديه إذا لم يتدبر، ولم يتفكر أي: لا تقدر على ذلك، لأن الوكيل هو الكافي للشئ، ولا يكون كذلك إلا وهو قادر عليه. ثم قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أم تحسب) يا محمد (أن أكثرهم يسمعون) ما تقوله سماع طالب للإفهام (أو يعقلون) ما تقوله لهم، وتقرأ عليهم، وما يعاينونه من المعجزات والحجج أي: لا تظن ذلك (إن هم إلا كالأنعام) أي: ما هم إلا كالبهائم التي تسمع النداء ولا تعقل (بل هم أضل سبيلا) من الأنعام، لأنهم مكنوا من المعرفة، فلم يعرفوا. والأنعام لم يمكنوا منها، ولأن الأنعام ألهمت منافعها ومضارها، فهي لا تفعل ما يضرها، وهؤلاء عرفوا طريق الهلاك والنجاة، وسعوا في هلاك أنفسهم، وتجنبوا سبيل نجاتهم، فهم أضل منها.
ثم نبه سبحانه على النظر فيما يدل على وحدانيته، وكمال قدرته فقال: (ألم تر) الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، والمراد به سائر المكلفين (إلى ربك كيف مد الظل)