المسبح فقال: (رجال لا تلهيهم) أي: لا تشغلهم، ولا تصرفهم (تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة) أي: إقامة الصلاة. حذف الهاء لأنها عوض عن الواو في أقوام. فلما أضافه صار المضاف إليه عوضا عن الهاء. وروي عن أبي جعفر عليه السلام، وأبي عبد الله عليه السلام أنهم قوم إذا حضرت الصلاة تركوا التجارة، وانطلقوا إلى الصلاة، وهم أعظم أجرا ممن يتجر. (وإيتاء الزكاة) أي: إخلاص الطاعة لله تعالى، عن ابن عباس. يريد الزكاة المفروضة، عن الحسن.
(يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار) أراد يوم القيامة تتقلب فيه أحوال القلوب والأبصار، وتنتقل من حال إلى حال، فتلفحها النار، ثم تنضجها، ثم تحرقها، عن الجبائي. وقيل: تتقلب فيه القلوب بين الطمع في النجاة، والخوف من الهلاك. وتتقلب الأبصار يمنة ويسرة من أين تؤتى كتبهم، وأين يؤخذ بهم، أمن قبل اليمين أم من قبل الشمال. وقيل: تتقلب القلوب ببلوغها الحناجر، والأبصار بالعمى بعد البصر. وقيل: معناه تنتقل القلوب عن الشك إلى اليقين والإيمان، والابصار عما كانت تراه غيا فتراه رشدا. فمن كان شاكا في دنياه أبصر في آخرته، ومن كان عالما ازداد بصيرة وعلما، فهو مثل قوله تعالى: (فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد) عن البلخي. (ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله) أي: يفعلون ذلك طلبا لمجازاة الله إياهم بأحسن ما عملوا، ولتفضله عليهم بالزيادة، على ما استحقوه بأعمالهم من فضله وكرمه (والله يرزق) أي: يعطي (من يشاء بغير حساب) أي: بغير مجازاة على عمل، بل تفضلا منه سبحانه، والثواب لا يكون إلا بحساب، والتفضل يكون بغير حساب.
النظم: اتصلت الآية الأولى بما قبلها اتصال المثل بالمثل، لأنه تعالى بين وجوه المنافع والمصالح، وعلم الشرائع فيما سبق، بين بعده أن منافع أهل السماوات والأرض منه، لأن اسم النور يطلق على ذلك، كما تقدم بيانه. وقيل: إنها اتصلت بما قبلها اتصال العلة بالمعلول، فكأنه قال: أنزلنا آيات بينات، ومواعظ بالغات، فهديناكم بها، لأنا نهدي أهل السماوات والأرض. واتصل قوله (في بيوت) بقوله (كمشكاة فيها مصباح) على ما تقدم بيانه. وقيل: يتصل بيسبح، ويكون فيها تكريرا على التوكيد، والمعنى: يسبح الله رجال في بيوت أذن الله أن ترفع، فيكون كقولك: في الدار قام زيد فيها