بعدكم إلى يوم القيامة. وقيل: معناه وفرضنا فيها إباحة الحلال، وحظر الحرام، عن مجاهد. وهذا يعود إلى معنى أوجبناها. وقيل: معناه وقدرنا فيها الحدود، عن عكرمة، وهو من قوله: (فنصف ما فرضتم). وفسر أبو عمرو معنى القراءة بالتشديد بأن قال: معناها فصلناها وبيناها بفرائض مختلفة. (وأنزلنا فيها آيات بينات) أي:
دلالات واضحات على وحدانيتنا، وكمال قدرتنا. وقيل: أراد بها الحدود والأحكام التي شرع فيها.
(لعلكم تذكرون) أي: لكي تتذكروا فتعلموا بما فيها. ثم ذكر سبحانه تلك الآيات، وابتدأ بحكم الزنا، فقال: (الزانية والزاني) معناه: التي تزني، والذي يزني، أي: من زنى من النساء، ومن زنى من الرجال، فيفيد العموم في الجنس.
(فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة) يعني إذا كانا حرين بالغين بكرين غير محصنين. فأما إذا كانا محصنين، أو كان أحدهما محصنا، كان عليه الرجم بلا خلاف. والإحصان هو أن يكون له فرج يغدو إليه ويروح على وجه الدوام، أو يكون حرا. فأما العبد فلا يكون محصنا، وكذلك الأمة لا تكون محصنة، وإنما عليهما نصف الحد خمسون جلدة، لقوله سبحانه: (فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب). وقيل: إنما قدم ذكر الزانية على الزاني، لأن الزنى منهن أشنع وأعير، وهو لأجل الحبل أضر، لأن الشهوة فيهن أكثر، وعليهن أغلب. وقوله (فاجلدوا) هذا خطاب للأئمة، ومن يكون منصوبا للأمر من جهتهم، لأنه ليس لأحد أن يقيم الحدود إلا الأئمة وولاتهم بلا خلاف.
(ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) معناه:
إن كنتم تصدقون بالله، وتقرون بالبعث والنشور، فلا تأخذكم بهما رحمة تمنعكم من إقامة الحدود عليهما، فتعطلوا الحدود، عن عطا، ومجاهد. وقيل: معناه لا تأخذكم بهما رأفة تمنع من الجلد الشديد، بل أوجعوهما ضربا، ولا تخففوا كما يخفف في حد الشارب، عن الحسن، وقتادة، وسعيد بن المسيب، والنخعي، والزهري. وقوله (في دين الله) أي: في طاعة الله. وقيل: في حكم الله، عن ابن عباس، كقوله: (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك، أي: في حكمه.
(وليشهد عذابهما) أي: وليحضر حال إقامة الحد عليهما (طائفة) أي:
جماعة (من المؤمنين) وهم ثلاثة فصاعدا، عن قتادة والزهري. وقيل: الطائفة