ومن رفع (أربع شهادات)، لم يكن (إنه لمن الصادقين) إلا من صلة شهادات، دون صلة شهادة، لأنك إن جعلته من صلة شهادة، فضلت بين الصلة والموصول. ومن قرأ (أن لعنة الله عليه)، و (أن غضب الله عليها) فمعناه: إنه لعنة الله عليه، وإنه غضب الله عليها، خففت الثقيلة المفتوحة على إضمار القصة والحديث، ولا تكون في ذلك كالمكسورة، لأن الثقيلة المفتوحة، موصولة.
والموصول يتشبث بصلته أكثر من تشبث غير الموصول بما يتصل به. وأهل العربية يستقبحون أن تلي الفعل حتى يفصل بينها وبين الفعل بشئ، ويقولون: استقبحوا أن تحذف ويحذف ما تعمل فيه وأن تلي ما لم تكن تليه من الفعل بلا حاجز بينهما فتجتمع هذه الاتساعات فيها، فإن فصل بينها وبين الفعل بشئ لم يستقبحوا ذلك، كقوله تعالى: (علم أن سيكون منكم مرضى)، وقوله: (أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا) وعلمت أن قد قام. فإن قلت: فقد جاء (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى)، وجاء: (نودي أن بورك من في النار ومن حولها)، فالجواب: فأن ليس يجري مجرى ما ونحوها مما ليس بفعل. وأما قوله (نودي أن بورك) فإن قوله (بورك) على معنى الدعاء، فلم يجز دخول لا ولا قد، ولا السين، ولا شئ مما يصح دخوله الكلام، فيصح به الفصل.
ووجه قراءة نافع، أن ذلك قد جاء في الدعاء، ولفظه لفظ الخبر. وقد يجئ في الشعر وإن لم يكن شئ يفصل بين أن، وبين ما تدخل عليه من الفعل. فإن قلت: فلم لا تكون أن في قوله (أن غضب الله) أن الناصبة للفعل، وصل بالماضي. فيكون كقراءة من قرأ (وامرأة مؤمنة أن وهبت نفسها للنبي)، فأن ذلك لا يسهل، ألا ترى أنها متعلقة بالشهادة، والشهادة بمنزلة العلم لا تقع بعدها الناصبة.
النزول: الضحاك عن ابن عباس قال: لما نزلت الآية (والذين يرمون المحصنات) قال عاصم بن عدي: يا رسول الله! إن رأى رجل منا مع امرأته رجلا، فأخبر بما رأى، جلد ثمانين. وإن التمس أربعة شهداء، كان الرجل قد قضى حاجته ثم مضى؟ قال: كذلك أنزلت الآية يا عاصم. قال: فخرج سامعا مطيعا. فلم يصل إلى منزله حتى استقبله هلال بن أمية يسترجع، فقال: ما وراءك؟ قال: شر، وجدت شريك بن سحما على بطن امرأتي خولة! فرجع إلى النبي صلى الله عليه وآله فأخبره هلال بالذي كان. فبعث إليها فقال: ما يقول زوجك؟ فقالت: يا رسول الله! إن ابن