المعنى:
قيل في تكرار قوله تلك أمة قد خلت قولان:
أحدهما - انه عند بالأول: إبراهيم ومن ذكر معه من الأنبياء والثاني - عنى به اسلافهم من آبائهم الذين هم على ملتهم.
والقول الثاني ان الجواب إذا اختلفت أوقاته فكان الثاني في غير موطن الأول، وكان بعد مدة من وقوع الأول بحسب ما اقتضاه الحال لم يكن ذلك معيبا عند أهل اللغة ولا عند العقلاء، والاعتراض عليهم بقوله " تلك أمة قد خلت " انه إذا لم تشكوا أن يكون فرضهم غير فرض الأمة التي قد خلت قبلكم، ولا تحتجوا بأنه لا يجوز أن يخالفوا عليه، ولو سلم لكم أنهم كانوا على ما تذكرونه ما جاز لكم أن تتركوا ما نقل لكم الله عنه على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وآله إذ لله تعالى ان ينسخ من الشريعة ما شاء على ما يعلم في ذلك من وجوه الحكمة، وعموم المصلحة. وقيل: ان ذلك ورد مورد الوعظ لهم بأنه: إذا كان لا يؤخذ الانسان إلا بعمله فينبغي ان تحذروا على أنفسكم، وتبادروا بما يلزمكم، ولا تتكلوا على فضائل الاباء والأجداد فان ذلك لا ينفعكم إذا خالفتم امر الله فيما أوجب عليكم.
والمعنى بقوله تلك أمة قد خلت على قول قتادة والربيع إبراهيم عليه السلام ومن ذكر معه. وعلى قول الجبائي، وغيره: من سلف من آبائهم الذين كانوا على ملتهم اليهودية والنصرانية. وقد بينا فيما مضى أن الأمة الجماعة التي تؤم جهة واحدة كأمة محمد صلى الله عليه وآله التي تؤم العمل على ما دعا إليه. وكذلك أمم سائر الأنبياء صلى الله عليه وآله والخلاء الفراغ يقال: فرغ من عمله، وفرغ من مكانه. وإنما قيل لما مضى خلا، لأنه خلا منه مكانه. والكسب الفعل الذي يجر لفاعله نفعا أو يدفع به ضررا. وإنما قيل كسب السيئة، لأنه اجلب النفع عاجلا.
وقوله: " ولا تسألون " معناه لا تطالبون. والسؤال الطلب. وهو أيضا الاخبار الذي اقتضاه ما تقدم من الكلام أي لا يقال لكم لم عصي آباءكم. وإنما يقال لكم لم عصيتم ولم ظلمتم.