وقوله: " يكتبون الكتاب بأيديهم " معناه انهم يقولون كتبته، ثم يضيفونه إلى الله، كقوله " خلقت بيدي " (1) " وعملت أيدينا " (2) أي نحن تولينا ذلك ولم نكله إلى أحد من عبادنا. ومثله رأيته بعيني وسمعته باذني ولفيته بنفسي. والمعنى في جميع ذلك التأكيد، ولأنه قد يأمر غيره بالكتابة، فتضاف إليه مجازا. فلذلك يقول الأمي كتبت إلى آل فلان بكذا، وهذا كتابي إليك، وكما تقول: حملت إلى بلد كذا. وإنما أمرت بحمله. فاعلمنا الله تعالى انهم يكتبونه بأيديهم، ويقولون هو من عند الله، وقد علموا يقينا إذا كتبوه بأيديهم انه ليس من عند الله. وفي الآية دلالة على ابطال قول المجبرة، لأنه تعالى عابهم بهذا القول، إذ نسبوا ما كتبوه من التحريف إلى أنه من عند الله، وجعل عليهم الويل. وإذا كان تحريفه من الكتاب - ليس من عند الله، من جهة القول والحكم - فليس ذلك منه من جهة القضاء والحكم ولا التقدير والمشيئة.
وقال ابن السراج: معنى " بأيديهم " أي من تلقاء أنفسهم.
وقوله " ليشتروا به ثمنا قليلا ". قال قوم: أي انه عرض الدنيا لأنه قليل المدة، كما قال تعالى: " قل متاع الدنيا قليل " (3) ذهب إليه أبو العالية. وقال آخرون: إنه قليل لأنه حرام.
وروي عن أبي جعفر (ع)، وذكره أيضا جماعة من أهل التأويل أن أحبار اليهود كانت غيرت صفة النبي صلى الله عليه وآله ليوقعوا الشك للمستضعفين من اليهود.
وقوله: " ويل لهم مما كانوا يكسبون " يقولون مما يأكلون به الناس السفلة وغيرهم. واصل الكسب العمل الذي يجتلب به نفع أو يدفع به ضرر، وكل عامل عملا بمباشرة منه لما عمل. ومعناه هاهنا الاحتراف فهو كاسب لما عمل. قال لبيد ابن ربيعة:
لمغفر قهد تنازع شلوه * غبس كواسب لا يمن طعامها (4)