بخلقه، ألا ترون أنه إذا لم ينقطع إليه لم يكن خليله؟ وإذا لم يعلم بأسراره لم يكن خليله؟ وأن من يلده الرجل، وإن أهانه وأقصاه، لم يخرج عن أن يكون ولده؟ لان معنى الولادة قائم.
ثم إن وجب - لأنه قال الله: إبراهيم خليلي - أن تقيسوا أنتم فتقولوا: إن عيسى ابنه، وجب أيضا كذلك أن تقولوا لموسى: إنه ابنه، فان الذي معه من المعجزات لم يكن بدون ما كان مع عيسى، فقولوا إن موسى أيضا ابنه، وإنه يجوز أن تقولوا على هذا المعنى: شيخه وسيده وعمه ورئيسه وأميره كما قد ذكرته لليهود.
فقال بعضهم: وفي الكتب المنزلة أن عيسى قال: أذهب إلى أبي.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: فان كنتم بذلك الكتاب تعملون، فان فيه: " أذهب إلى أبي وأبيكم " فقولوا: إن جميع الذين خاطبهم كانوا أبناء الله، كما كان عيسى ابنه من الوجه الذي كان عيسى ابنه، ثم إن ما في هذا الكتاب يبطل عليكم هذا [المعنى] الذي زعمتم أن عيسى من جهة الاختصاص كان ابنا له، لأنكم قلتم: إنما قلنا:
إنه ابنه لأنه تعالى اختصه بما لم يختص به غيره، وأنتم تعلمون أن الذي خص به عيسى لم يخص به هؤلاء القوم الذين قال لهم عيسى: " أذهب إلى أبي وأبيكم " فبطل أن يكون الاختصاص (1) لعيسى، لأنه قد ثبت عندكم بقول عيسى لمن لم يكن له مثل اختصاص عيسى، وأنتم إنما حكيتم لفظة عيسى وتأولتموها على غير وجهها لأنه إذا قال: " أبي وأبيكم " فقد أراد غير ما ذهبتم إليه ونحلتموه، وما يدريكم لعله عنى: أذهب إلى آدم وإلى نوح إن الله يرفعني إليهم ويجمعني معهم، وآدم أبي وأبوكم وكذلك نوح، بل ما أراد غير هذا قال:
فسكتت النصارى، وقالوا: ما رأينا كاليوم مجادلا ولا مخاصما وسننظر في أمورنا.
ثم اقبل رسول الله صلى الله عليه وآله على الدهرية فقال: وأنتم فما الذي دعاكم إلى القول