إن عظيما من عظمائكم قد يقول لأجنبي لا نسب بينه وبينه: يا بني، وهذا ابني لا على طريق الولادة، فقد تجدون أيضا هذا العظيم يقول لأجنبي آخر: هذا أخي ولآخر: هذا شيخي، وأبي، ولآخر: هذا سيدي، على سبيل الاكرام، وإن من زاده في الكرامة زاده في مثل هذا القول، فإذا يجوز عندكم أن يكون موسى أخا لله أو شيخا له أو أبا أو سيدا لأنه قد زاده في الكرامة على ما لعزيز، كما أن من زاد رجلا في الاكرام فقال له: يا سيدي ويا شيخي ويا عمي ويا رئيسي ويا أميري على طريق الاكرام، وإن من زاده في الكرامة زاده في مثل هذا القول، أفيجوز عندكم أن يكون موسى أخا لله، أو شيخا، أو عما أو رئيسا، أو سيدا أو أميرا؟ لأنه قد زاده في الاكرام على من قال له: يا شيخي أو يا سيدي أو يا عمي، أو يا رئيسي، أو يا أميري.
قال: فبهت القوم وتحيروا وقالوا: يا محمد أجلنا نتفكر فيما قلته لنا.
فقال: انظروا فيه بقلوب معتقدة للانصاف، يهدكم الله.
ثم أقبل صلى الله عليه وآله على النصارى فقال لهم: وأنتم قلتم: إن القديم عز وجل اتحد بالمسيح ابنه (1) ما الذي أردتموه بهذا القول؟ أردتم أن القديم صار محدثا لوجود هذا المحدث الذي هو عيسى؟ أو المحدث الذي هو عيسى صار قديما لوجود القديم الذي هو الله؟ أو معنى (2) قولكم: " إنه اتحد به " أنه اختصه بكرامة لم يكرم بها أحدا سواه؟ فان أردتم أن القديم تعالى صار محدثا فقد أبطلتم، لآن القديم محال أن ينقلب فيصير محدثا، وإن أردتم أن المحدث صار قديما فقد أحلتم (3) لان المحدث أيضا محال أن يصير قديما، وإن أردتم أنه اتحد به بأن اختصه واصطفاه