ولا ما فيه عن أبي جعفر الباقر عليه السلام من قوله: من جاور بمكة سنة غفر الله له ذنوبه ولأهل بيته ولكل من استغفر له ولعشيرته ولجيرانه ذنوب تسع سنين قد مضت، وعصموا من كل سوء أربعين ومائة سنة (1). إذ ليس نصا في التوالي، مع جواز كون الارتحال لأحد ما ذكر أفضل من المجاورة التي لها الفضل المذكور كما في مكروهات العبادات، ولذا قيل - بعد ما ذكر بلا فصل -: والانصراف والرجوع أفضل من المجاورة، وهو يحتمل الحديث وكلام الصدوق (2).
وجمع الشهيد بين هذا الخبر وأخبار الكراهية باستحباب المجاورة لمن يثق من نفسه بعدم المحذورات المذكورة، وحكى قولا باستحبابها للعبادة وكراهيتها للتجارة (3).
(ويستحب) المجاورة (بالمدينة) تأسيا، ولما تستتبعه من العبادات فيها، مع ما فيها من الفضل والموت فيها، مع قول الصادق عليه السلام في خبر الزيات:
من مات في المدينة بعثه الله في الآمنين يوم القيامة (4).
ولما روي عن النبي صلى الله عليه وآله: لا يصبر على لأواء المدينة وشدتها أحد من أمتي إلا كنت له شفيعا يوم القيامة أو شهيدا (5). وإن نفرا كانوا يريدون الخروج منها إلى أحد الأمصار، فقال: المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون (6). ولكنه يحتمل الاختصاص بهم، هذا مع أنه لا معارض هناك كما في مكة، وإن أمكنت تعدية العلل كما فعله بعض العامة (7)، لكن روي: من غاب عن المدينة ثلاثة أيام جاءها