السيف الصقيل رد ابن زفيل - السبكي - الصفحة ٩١
أفردت بمصنف لإمام هذا الشأن بحر العالم (1) الحراني).

(١) بل هو وارث علوم صابئة حران حقا، والمستلف من السلف ما يكسوها كسوة الخيانة والتلبيس. وعن هذا الحراني - الذي اتخذه الناظم إماما - يقول ابن حجر في الدرر الكامنة في ترجمته: (واستشعر أنه مجتهد فصار يرد على صغير العلماء وكبيرهم، قديمهم وحديثهم، حتى انتهى إلى عمر (بن الخطاب رضي الله عنه) فخطأه في شئ فبلغ الشيخ إبراهيم الرقي الحنبلي فأنكر عليه فذهب إليه واعتذر واستغفر وقال في حق علي (كرم الله وجهه) أخطأ في سبعة عشر شيئا ثم خالف فيها نص الكتاب، منها اعتداد المتوفى عنها زوجها أطول الأجلين، وكان لتعصبه لمذهب الحنابلة يقع في الأشاعرة حتى إنه سب الغزالي فقام عليه قوم كادوا يقتلونه. وذكروا أنه ذكر حديث النزول فنزل عن المنبر درجتين فقال: كنزولي هذا، فنسب إلى التجسيم. وافترق الناس فيه شيعا، منهم من نسبه إلى التجسيم لما ذكر في العقيدة الحموية (التي رد عليها ابن جهبل) والواسطية وغيرهما من ذلك، كقوله: (إن اليد والقدم والساق والوجه صفات حقيقية لله وأنه مستو على العرش بذاته فقيل له يلزم من ذلك التحيز والانقسام فقال: أنا لا أسلم أن التحيز والانقسام من خواص الأجسام فألزم بأنه يقول بالتحيز في ذات الله تعالى، ومنهم من ينسبه إلى الزندقة لقوله: إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يستغاث به. لأن في ذلك تنقيصا ومنعا من تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أشد الناس عليه في ذلك النور البكري، فإنه لما عقد له المجلس بسبب ذلك، قال بعض الحاضرين يعزر فقال البكري لا معنى لهذا القول فإنه إن كان تنقيصا يقتل وإن لم يكن تنقيصا لا يعزر، ومنهم من ينسبه إلى النفاق لقوله في علي (كرم الله وجهه) ما تقدم، ولقوله إنه كان مخذولا حيثما توجه وإنه حاول الخلافة مرارا فلم ينلها وإنما قاتل دون الرياسة لا للديانة، وأن عثمان (رضي الله عنه) كان يحب المال.
ولقوله أبو بكر (رض الله عنه) أسلم شيخا لا يدري ما يقول وعلي (كرم الله وجهه) أسلم صبيا والصبي لا يصح إسلامه على قول. ونسب قوم إلى أنه كان يسعى في الإمامة الكبرى فإنه كان يلهج بذكر تومرت ويطريه فكان ذلك مؤكدا لطول سجنه وله وقائع شهيرة، وكان إذا حوقق وألزم يقول لم أرد هذا إنما أردت كذا فيذكر احتمالا بعيدا ا ه‍).
والدرر الكامنة من محفوظات دار الكتب المصرية وقد طبعت حديثا بمعرفة دائرة المعارف بحيدر آباد الدكن وليس بين هؤلاء من ذكره بالإمامة والقدرة في الدين ومن اتخذه إماما إنما اتخذه إماما في الزيغ والشذوذ من غير أن يتهيب ذلك اليوم الذي يدعى فيه كل أناس بإمامهم، فليعتبر بذلك من ظن أن ابن حجر العسقلاني في صف المثنين على إمامته على الاطلاق. وهذا كلام ابن حجر في هذا الزائغ مع أنه لم يطلع على جميع مخازيه. ومن أثنى عليه من أهل السنة في مبدأ أمره قبل انكشاف الستر عن بدعه الطامة إنما أثنى عليه تشجيعا له على العلم لما كانوا يرون فيه في مبدأ نشأته من القابلية للعلم كما كانوا يفعلون مثل ذلك مع كل ناشئ لكن لما تشعبت هموم ابن تيمية وتوزعت مواهبه في مختلف الأهواء وضاع صوابه بين أمواج البدع التي ارتضاها لنفسه تراجع كل من أثنى عليه من هؤلاء على توالي فتنه بين الأمة وتعاقب أهوائه المخزية وانقلبوا ضده، ولولا مغامراته في شتى العلوم التي يكفي واحد منها ليختص فيه أذكى العلماء لربما برع في علم يتفرغ له بعزيمة صادقة لكن جنى على نفسه بتشتيت مساعيه وراء أهواء بشعة فأصبح في موضع هزء البارعين كلما اختبروه في علم من العلوم التي يدعي الإمامة فيها ومن أمثلة ذلك أن صفي الدين الأرموي المشهور كان طويل النفس في التقرير إذا شرع في وجه يقرره لا يدع شبهة ولا اعتراضا إلا وقد أشار إليه في التقرير بحيث لا يتم التقرير إلا ويعز على المعترض مقاومته، وكان حضر حينما جمعت العلماء لأجل النظر في المسألة الحموية، ولما عقد المجلس لأجل امتحان ابن تيمية عما أورده في الحموية أخذ الصفي الأرموي يقرر المسألة على طريقته البارعة ليقطع الطرق على ابن تيمية من جميع الوجوه فبدأ ابن تيمية يعجل عليه على عادته ويخرج من شئ إلى شئ على أمل أن ينفق عليه تشغيبه لكن سقط في يده حيث قال له الصفي الأرموي:
ما أراك يا بن تيمية إلا كالعصفور حيث أردت أن أقبضه من مكان يفر إلى مكان آخر ا ه‍. وما ابن تيمية في نظر مثل الأرموي إلا كعصفورة في العلم وإن اتخذه الجهلة الاغرار إماما بأن نبذوا الأئمة المتبوعين وراء ظهورهم حيث راجت عليهم ثرثرته الفارغة، ولا غرو فإن كل ساقطة لاقطة والطير على أشكالها تقع.
والمسألة الحموية هذه تتضمن القول بالجهة وحبس ابن تيمية بعد هذا المجلس بسبب هذه المسألة ونودي عليه في البلد وعلى أصحابه وعزلوا من وظائفهم، وهذه المسألة هي التي رد عليها العلامة ابن جهبل ردا مشبعا، وقد علمت بذلك قيمة علم ابن تيمية عند البارعين من أهل العلم، وههنا لا بد من التنبيه على شئ وهو أني كنت كتبت فيما علقت على دفع الشبه لابن الجوزي في (ص ٤٧): (بل يروى عنه نفسة أعني ابن تيمية) أنه نزل درجة وهو يخطب على المنبر في دمشق وقال: (ينزل الله كنزولي هذا) على ما أثبته ابن بطوطة من مشاهداته في رحلته. وقال الحافظ ابن حجر في (الدرر الكامنة): ذكروا أنه ذكر حديث النزول فنزل عن المنبر درجتين فقال: (كنزولي هذا) فنسب إلى التجسيم ا ه‍. وهنا انتهى ما علقته على الموضع المذكور.
وأما ما زاد على ذلك وهو: (ويقول بعض علماء دمشق بأنه رأى هذه الخطبة في مخطوط قديم بزيادة (لا) قبل (كنزولي) والله أعلم.
فزيادة من الأستاذ الناشر اعتمادا على ما سمعه من الشيخ بدر إن الدوماني كأنه لم يكن يعرف مبلغ اجترائه على المجازفات وإرسال الكلام بدون ميزان ولم تكن الجماعة تعتقد أن نزول الله كنزول ابن تيمية حتى يكون لهذا الكلام معنى ما ولأجل ما زيد في كلامي هنا نكت الشيخ خضر الشنقيطي رحمه الله على في (استحالة المعية) وأنا برئ من تلك الزيادة، سامحه الله.
(٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 86 87 88 89 90 91 94 96 97 98 99 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 التعريف بموضوع الكتاب 3
2 مقدمة المعلق 3
3 انقشاع ظلمات الجاهلية بمبعثه صلى الله عليه وسلم 3
4 تحين الأعداء الفرص للكيد بالمسلمين 3
5 انخداع سذج الرواة 5
6 فضل علماء أصول الدين في حراسة الدين 5
7 محاولة ابن تيمية بعث الحشوية من مرقدها 6
8 مسايرة ابن القيم لابن تيمية في فتنته 7
9 نماذج من أقوال أصحاب ابن القيم وأضداده والمتحايدين 8
10 أخطر ما يطغى من صنوف الاستغناء 10
11 ردود السبكي على ابن تيمية والكلام في رده على نونية ابن القيم 11
12 مقدمة الكتاب للمؤلف 13
13 الأشعرية اعدل الفرق 15
14 مجامع الزيغ في نونية ابن القيم 20
15 تأسى السبكي بإمام الحرمين في الرد على بعض جهلة أهل الحديث 21
16 مناظرة خيالية بين المشبه والمنزه 23
17 فصل: أمثال مضروبة للمعطل والمشبه والموحد 26
18 فصل: في قصيدته النونية 26
19 فصل: تخيل الناظم في أفعال العباد 27
20 فصل: استنكار الناظم إعادة المعدوم 31
21 فصل: زعم الناظم قيام الله تعالى بالحوادث 32
22 فصل: عقد مجلس خيالي.. كلامه في وحدة الوجود 36
23 فصل: الفوقية الحسية 42
24 تسمية الناظم أهل الحق بحزب جنكيزخان 43
25 فتاوى في الرد على القائلين بالحرف والصوت 46
26 رد حديث الأوعال 53
27 الأصابع في كلام الجبر 57
28 الكلام على الساق والنزول والمجيء ووضع القدم 59
29 تصوير الناظم أهل الحق أسوأ تصوير 62
30 كذب الناظم على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم 63
31 فصل: قال: في قدوم ركب الإيمان وعسكر القرآن 65
32 عدم تمييز الناظم بين اللازم والملزوم 68
33 تخبط الناظم في الصوت 68
34 كلام واف في أحاديث الصوت 71
35 فصل: قوله: إنه يلزم من نفى صفة الكلام نفى الرسالة 73
36 فصل: وقيعة الناظم وشيخه في ابن حزم 75
37 الخلاف بين احمد والبخاري رضى الله عنهما في الفظ 77
38 فصل: في مقالة الفلاسفة والقرامطة 78
39 فصل: في الاتحادية 78
40 الرد على عثمان بن سعيد في إثباته الحركة 81
41 الرد على قول الناظم بالإيجاب 82
42 فصل: في تجويز التسلسل في الماضي 83
43 الرد على كلام الناظم في الزمان 84
44 فصل: في الرد على الجهمية 86
45 فصل: نصوص ابن تيمية في الفوقية الحسية 90
46 قول أبى حيان في ابن تيمية 94
47 صيغة استتابة ابن تيمية في الاستواء والصوت وخطوط كبار العلاء 94
48 فصل: كلمة ابن تيمية في العلو والفوقية والرد عليه 100
49 فصل: حديث النزول 102
50 فصل: الإشارة إلى رفع الأيدي إلى السماء 104
51 فصل: دعوى الناظم في الرؤية بدون مقابلة 105
52 فصل: بسط الكلام في السؤال ب‍ " أين " في حديث الجارية 106
53 توهين سند حديث أبى رزين 109
54 تفنيد زعم الإجماع على الفوقية الحسية 113
55 بسط الكلام في رد القول بالجهة 114
56 تناقض ابن تيمية في الجهة وكذبه 117
57 مخالفات ابن تيمية 120
58 رد المصنف على الناظم في الفوقية 128
59 روايات الضراب عن مالك في النزول 128
60 قول اليافعي في الحشوية 130
61 أحد المراسيم الصادرة في حق ابن تيمية 132
62 نص الإمام أحمد في المجئ 137
63 معنى كتب ربكم على نفسه بيده 139
64 سخف عثمان بن سعيد في التمسك بحديث حصين في الفوقية 141
65 الشعر المنسوب إلى ابن رواحة رضى الله عنه 143
66 حديث بنى قريظة 144
67 حدث جابر رضى الله عنه 145
68 فصل: ممتع في التأول 148
69 قول ابن حجر في التأويل 150
70 تحقيق ابن دقيق العيد 151
71 صنيع الصحابة في التأويل 152
72 اضطراب الحشوية 153
73 القول بالتجلي في الصور 156
74 تبديع الفلاسفة وإكفارهم 157
75 القول بتجرد الروح 159
76 نص من ابن تيمية في الحد والجسم 160
77 قول السلف في العين واليد 167
78 خداع الناظم وشيخه 167
79 معنى القبضة عند الخلف 168
80 المعطل في الأصل من ينفى الصانع 169
81 فصل: في عهود المثبتين مع الله رب العالمين 175
82 فصل: افتراؤهم المثلث على الأشعرية 175
83 فصل: في حياة الأنبياء 177
84 فتيا الأئمة في إنكاره شد الرحل لزيارته صلى الله عليه وسلم 177
85 نص ابن عقيل الحنبلي في تذكرته 180
86 نصوص من المطالب العالية للفخر الرازي 183
87 فصل: في الهدنة بين المعطلة والاتحادية حزب جنكسخان 189
88 فصل: في مصارع المعطلة باسنة الموحدين 189
89 كلمة صاحب الدرة المضيئة في ابن تيمية 190
90 فصل: في كسر الطاغوت الذي نوا به الصفات 192
91 فصل: في مبدأ العداوة بين الموحدين والمعطلين 193
92 فصل: في أن التعطيل أساس الزندقة 193
93 فصل: في بهت أهل الشرك والتعطيل 194
94 عظم شأن الفخر الرازي في الرد على الحشوية 195
95 ناحت العجل 196
96 الكلام النفسي 197
97 قول ابن القيم في تلازم التعطيل والشرك 199
98 فصل: في مثل المشرك والمعطل 200
99 حال الذهبي ماله وما عليه 202
100 فصل: في أسبق الناس دخولا إلى الجنة 208
101 فصل: في عدد الجنات 209
102 فصل: في يوم المزيد 210
103 خاتمة السيف الصقيل 211
104 مقدمة رسالة الذهبي إلى ابن تيمية 212
105 نص الرسالة بخط ابن قاضي شهبة (بالزنكوغراف) 214
106 نص الرسالة بالحروف العادية 217
107 لماذا يقال للناظم ابن القيم 219
108 خاتمة تكملة الرد 219