ذهن هذا الرجل لأنه مشاء على بدعه لا يقبل غيرها؟ وأما حديث أبي رزين (1)
(١) وأما حديث أبي رزين ففي سنده حماد بن سلمة مختلط، وكان يدخل في حديثه ربيباه ما شاءا وليس في استطاعة ابن عدي ولا غيره إبعاد هذه الوصمة عنه، ويعلى بن عطاء تفرد به عن وكيع بن حدس أو عدس، وهو مجهول الصفة، وهو تفرد عن أبي رزين، ولا شأن للمنفردات والوحدان في إثبات الصفات فضلا عن المجاهيل وعمن به اختلاط، فليتق الله من يحاول أن يثبت به صفة لله. وقد سئم أهل العلم من كثرة ما يرد بطريق حماد بن سلمة من الروايات الساقطة في صفات الله سبحانه، وقد روى أبو بشر الدولابي الحافظ عن ابن شجاع عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدي أنه قال: (كان حماد بن سلمة لا يعرف بهذه الأحاديث حتى خرج خرجة إلى عبدان فجاء وهو يرويها، فلا أحسب إلا شيطانا خرج إليه في البحر فألقاها إليه ا ه).
وماذا يجدي تحمس ابن عدي في الدفاع عنه والرد على محمد بن شجاع الإمام افتراء منه عليه؟ وابن شجاع هذا مات في صلاةالعصر وهو ساجد ولا مغمز في علمه وثقته وورعه إلا أنه كان يقف في القرآن ولا يقول إنه مخلوق أو غير مخلوق لعدم ورود هذا وذاك نصا في الكتاب والسنة، وألف كتابا في الرد على المشبهة وهذا ذنب لا يغتفر عندهم. وإنما يدل هذا التحمس على خبيئ لابن عدي الذي لم يتعلم من العربية ما يقوم به لسانه ويصونه من اللحون الفاضحة، وأنى لمثله أن يقوم فكره حتى يتخذ قدوة؟ وكان ابن شجاع يحذر الرواة من الأخذ بروايات تالفة أدخلها الوضاعون على بعض شيوخ الرواية فيرد عليه عثمان بن سعيد الدارمي المجسم قائلا كيف يجد الوضاعون سبيلا إلى الادخال على شيوخ في الرواية؟ وابن عدي يعكس الأمر ويجعل الذي يدخل عليهم هو ابن شجاع بدون أي دليل وبدون سوق أي سند كما هو شأن المتقولين وله مع ثقات الرواة وأئمة الأمة في الفقه الذين تكلم فيهم موقف في يوم القيامة، لا يغبط عليه، والعقيلي على تعنته لم يذكره في كتابه - وحديث إجراء الخيل كان ذائعا بين شيوخ الرواية من الحشوية حتى يشكو من ذلك ابن قتيبة مر الشكوى في (الاختلاف في اللفظ) وهو معاصر لابن شجاع، وكذلك خرجه أبو علي الأهوازي بسنده بطريق حماد بن سلمة. وقول الحاكم (أنبأنا إسماعيل بن محمد الشعراني أنه قال: بلغت عن محمد بن شجاع عن حبان بن هلال عن حماد بن سلمة) لا يمكن اتخاذه حجة في كون هذا الخبر مرويا عن حماد بن سلمة بطريق ابن شجاع منفردا به لأن بين الشعراني وبين ابن شجاع نحو مائة سنة فلا يقل الساقط من الرجال من بينهم عن نحو ثلاثة، هكذا يفضح الله من يتطاول على الأئمة. راجع ما علقناه على تبيين كذب المفتري في (ص ٣٦٩) ومن اطلع على كتاب (نقض عثمان بن سعيد على الجهمي العنيد) الجاري طبعه يعرف سبب مقت الحشوية لهذا الإمام الجليل، بل يكفي في معرفة حال حماد ابن سلمة الاطلاع على كتب الموضوعات المبسوطة، في باب التوحيد منها خاصة فيرى فيها القارئ أخبارا تالفة رويت بطريقه بكثرة بل ما سرده ابن عدي نفسه في الكامل في ترجمة حماد هذا من الأحاديث التالفة المروية بطريقه كاف في معرفة سقوط ما يروى بطريقه في الصفات بل سقوط ابن عدي المتحمس دونه.
منها روايته عن قتادة عن عكرمة... أن محمدا رأى ربه في صورة شاب أمرد...) وفي لفظ (... جعدا أمرد عليه حلة خضراء...) إلى عير ذلك من الألفاظ الفاضحة، وقد روى ابن عساكر بطريق أبي القاسم السمرقندي عن قتادة (الأعمى): إني ما حفظت عن عكرمة إلا بيت شعر، وهذا دليل على أنه لم يرض روايته الحديث، وأما ما يروى عن أحمد من سماع قتادة عن عكرمة عدة أحاديث فلا يثبت عن أحمد لأنه بطريق رواة من المجسمة القائلين بإقعاد الله رسوله صلى الله عليه وسلم في جنبه على العرش، تعالى الله عن ذلك، وقد توسع الفخر بن المعلم القرشي في رد ما يروى عن عكرمة في هذا الصدد ثم قال (فمعاذ الله أن يرى ربه على صورة أصلا فكيف على صورة قد ذكر مثلها أو أكثرها عن المسيح الدجال) ا. ه.
فمن التهور البالغ قول ابن صدقة (من لم يؤمن بحديث عكرمة فهو زنديق) بل من يقول به هو الزنديق، ويأسف الرد أن يرى بعض تلك الرايات التالفة مدونا في كتاب (أخبار الصفات) للدارقطني. وابن المعلم القرشي يؤكد أنه مدسوس ض كتاب الدارقطني وليس ببعيد بالنظر إلى أن راويه عنه العشاري والراوي عنه ابن كادش، وستعرف قيمتهما في أواخر ما علقناه على هذا الكتاب. ويظهر مما رفعه أبو إسحاق الشيرازي وأصحابه إلى نظام الملك من المحضر - في فتنة الحشوية ببغداد ضد ابن القشيري - اتخاذ رواية حماد هذه دينا فليراجع المحضر المذكور في (تبيين كذب المفتري) لابن عساكر (ص ٣١٠) وفيه ما نصه (... وأبوا إلا التصريح بأن المعبود ذو قدم وأضراس ولهوات وأنامل، وأنه ينزل بذاته ويتردد على حمار في صورة شاب أمرد بشعر قطط وعليه تاج يلمع وفي رجليه نعلان من ذهب...) تعالى الله عما يشركون. وفي مرسوم الخليفة العباسي الراضي الذي أصدره في فتنة البربهاري ما نصه (... وتارة إنكم تزعمون أن صورة وجوهكم القبيحة السمجة على مثال رب العالمين وهيئتكم الرذلة على هيئته وتذكرون الكف والأصابع والرجل والنعلين الذهبين والشعر القطط والصعود إلى السماء والنزول إلى الدنيا، تعالى الله عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا...) كما في الكامل لابن الأثير (٨ - ٩٨) إلى غير ذلك من الفضائح المكشوفة، وحديث أم الطفيل أنكره أحمد والنسائي فلا يمكن أن يصح مثل تلك الرواية لا يقظة ولا مناما، راجع دفع الشبه لابن الجوزي و (نجم المهتدي) والله ولي الهداية.