يكون التعويل في كل علم على أئمته دون من سواهم، لأن من يكون إماما في علم كثيرا ما يكون بمنزلة العامي في علم آخر، فإذا لا يعول في العقائد إلا على أئمة أصول الدين لا على الرواة البعيدين عن النظر، وكم بينهم من يرثى لمداركه حيث يقل عقله عن عقول الأطفال وإن بلغ في السن مبلغ الرجال. ومن طالع ما ألفه بعض الرواة على طول القرون من كتب في التوحيد والصفات والسنة والردود على أهل النظر يشكر الله سبحانه على النور الذي أفاضه على عقله حتى نبذ مثل تلك الطامات بأول نظرة.
محاولة ابن تيمية بعث الحشوية من مرقدها وقد استمرت فتن المخدوعين من الرواة على طول القرون مجلبة لسخط الله تعالى ولاستسخاف العقلاء من غير أن يخطر ببال عاقل أن يناضل عن سخافات هؤلاء، إلى أن نبغ في أواخر القرن السابع بدمشق حراني تجرد للدعوة إلى مذهب هؤلاء الحشوية السخفاء متظاهرا بالجمع بين العقل والنقل على حسب فهمه من الكتب بدون أستاذ يرشده في مواطن الزلل، وحاشا العقل الناهض والنقل الصحيح أن يتضافرا في الدفاع عن تخريف السخفاء إلا إذا كان العقل عقل صابئ والنقل نقل صبي، وكم انخدع بخزعبلاته أناس ليسوا من التأهل للجمع بين الرواية والدراية في شئ وله مع خلطائه هؤلاء موقف في يوم القيامة لا يغبط عليه. ومن درس حياته يجدها كلها فتنا لا يثيرها حاظ بعقله غير مصاب في دينه، وأنى يوجد نص صريح منقول أو برهان صحيح معقول يثبت الجهة والحركة والثقل والمكان ونحوها لله سبحانه؟ وسيمر بك سرد بعض مخازيه مع نقضها إن شاء الله تعالى.
وكل ما في الرجل أنه كان له لسان طلق، وقلم سيال، وحافظة جيدة، قلب بنفسه بدون أستاذ رشيد - صفحات كتب كثيرة جدا من كتب النحل التي كانت دمشق امتلأت بها بواسطة الجوافل من استيلاء المغول على بلاد الشرق، فاغتر بما فهمه من تلك الكتب من الوساوس والهواجس، حتى طمحت نفسه إلى أن