السيف الصقيل رد ابن زفيل - السبكي - الصفحة ١٤٨
(فصل) بحث ممتع في التأول في جناية التأويل (1) على ما جاء به الرسول ".

(1) من كلام العرب ما يفهم منه مراد التكلم بمجرد سماعه بدون احتياج إلى التدبر ومنه ما لا ينفهم المراد منه إلا بعد التأمل فيما يؤول إليه ذلك الكلام والتأويل تبيين ما يؤول إليه الكلام بعد التدبر فمن نفى التأويل جملة وتفصيلا فقد جهل الكتاب والسنة ومناص كلام العرب في التخاطب. وأبو يعلى الحنبلي المسكين - من أئمة الناظم - ألف كتابا سماه (إبطال التأويلات في أخبار الصفات) أتى فيه بكل طامة حتى قال عنه أبو محمد رزق الله التميمي الحنبلي: لقد بال أبو يعلى على الحنابلة بولة لا يغسلها ماء البحار. كما ذكره سبط ابن الجوزي في مرآة الزمان، ولفظ ابن الأثير في الكامل أفظع وأما لفظ ابن الجوزي في دفع الشبه فرواية بالمعنى، وقد ذكر أبو الفرج ابن الجوزي الحنبلي في دفع شبه التشبيه كثيرا من مخازيه بل في تأسيس ابن تيمية نقول كثيرة من كتاب (إبطال التأويلات) منها إثبات الحد له تعالى من الجانب الأسفل، تعالى الله عن ذلك. ويأسف الإنسان كل الأسف أن يضل مثل أبي يعلى هذا الضلال وما ذلك إلا من عدوي خلطائه، فلو كان والده الذي كان من أخص أصحاب أبي بكر الرازي الجصاص رأى ما آل إليه أمر ابنه اليتيم عنه لبكى بكاء مرا وتبرأ منه ومن عقائده. ومما زاد في ويلات الكتاب اعتداده بكل خبر غير مميز بين المختلق وغيره. ولأبي يعلى هذا كتاب المعتمد في المعتقد وهو قريب إلى السنة ونرجو أن يكون هذا آخر مؤلفاته ليكون قاضيا على ما سلف منه وإلا فيا للعار والنار من مسايرة الأشرار، فمن أول في كل موضع فهو قرمطي كافر، ومن أبى التأويل في كل آية وحديث فهو حجري زائغ كابن الفاعوس الحنبلي الذي لقب بالحجري حيث كان يقول إن الحجر الأسود يمين الله حقيقة قال أبو بكر بن العربي عن الظاهرية:
قالوا الظواهر أصل لا يجوز لنا * عنها العدول إلى رأي ولا نظر بينوا عن الخلق لستم منهم أبدا * ما للأنام ومعلوف من البقر وقد قال ابن عقيل الحنبلي " هلك الإسلام بين طائفتين: الباطنية والظاهرية والحق بين المنزلتين وهو أن نأخذ بالظاهر ما لم يصرفنا عنه دليل ونرفض كل باطن لا يشهد به دليل من أدلة الشرع " وللغزالي جزء لطيف سماه قانون التأويل وهو يقول فيه عند البحث فيما إذا كان بين المعقول والمنقول تصادم في أول النظر وظاهر الفكر: (والخائضون فيه تحزبوا إلى مفرط بتجريد النظر إلى المنقول وإلى مفرط بتجريد النظر إلى المعقول وإلى متوسط طمع في الجمع والتلفيق والمتوسطون انقسموا إلى من جعل المعقول أصلا والمنقول تابعا وإلى من جعل المنقول أصلا والمعقول تابعا وإلى من جعل كل واحد أصلا): ثم شرح هؤلاء الأصناف الخمسة شرحا جيدا لا يستغني عنه باحث، حفظنا الله سبحانه من الافراط والتفريط وسلك بنا سواء السبيل وفي الاطلاع على جزء الغزالي هذا فوائد في هذا الصدد.
قول ابن حجر في التأويل وأما قول ابن حجر في فتح الباري " إنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا عن أحد من الصحابة بطريق صحيح التصريح بوجوب تأويل شئ من ذلك - يعني المتشابهات - ولا المنع من ذكره ومن المحال أن يأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بتبليغ ما أنزل ألية ربه وينزل عليه " اليوم أكملت لكم دينكم " (المائدة: 3) ثم يترك هذا الباب فلا يميز ما يجوز نسبته إليه تعالى وما لا يجوز مع حثه على التبليغ عنه بقوله صلى الله عليه وسلم (ليبلغ الشاهد الغائب) حتى نقلوا أقواله وأفعاله وأحواله وما فعل بحضرته فدل على أنهم اتفقوا على الإيمان بها على الوجه الذي أراده الله تعالى منها ووجب تنزيهه عن مشابهة المخلوقات بقوله تعالى: " ليس كمثله شئ " (الشورى: 11) فمن أوجب خلاف ذلك بعدهم فقد خالف سبيلهم وبالله التوفيق ا ه‍ ".
فليس مما يستطيع الحشوي أن يتخذه سندا في ترويج مزاعم المشبهة رغم محاولة بعضهم ذلك لأن في سياق كلامه ما يحتم التفويض مع التنزيه وهو مذهب جمهور السلف وليس أحد من أهل العلم يمنع من إجراء المتشابه في الكتاب والسنة المشهورة على اللسان بدون خوض في المعنى فمن خاض وحمل على ما ينافي التنزيه فهو الذي خالف سبيلهم، بل الصحابة كلهم أجمعوا على تنزيه الله سبحانه عن مشابهة المخلوقات في ذاته وصفاته وأفعاله ومن ضرورة ذلك صرف الألفاظ المستعملة في الخلق عن معانيها المتعرفة بينهم إلى معان تتسامى عنها عند نسبة تلك الألفاظ إلى الله سبحانه على مقتضى قوله تعالى: " ليس كمثله شئ " وهو. تأويل إجمالي وأما تعيين تلك المعاني المتسامية تفصيلا بقرائن قائمة فمما يختلف مبلغ انتباه أهل العلم إليه على اختلاف ما آتاهم الله من الفهم فمن بان له وجه الكلام كوضح الصبح يسلك طريق التبيين بل يدخل هذا المتشابه في حقة في عداد المحكم - وذلك كالنظري بالنسبة إلى الحدسي وكم من نظري مستصعب عند أناس يكون حدسيا مكشوفا عند أناس آخرين - فأحاديث النزول مثلا إبعادها عن معان توجب التشبيه والنقلة موضع اتفاق بين أهل الحق سلفا وخلفا وحملها على المجاز في الطرف أو على الإسناد المجازي استعمال عربي صحيح وموافق للتنزيه وقد يترجح عند بعضهم الأول وعند بعضهم الثاني، ولكن الذي صح عنده رواية الإنزال أو اطلع على صحة حديث أبي هريرة في سنن النسائي (إن الله عز وجل يمهل حتى يمضي شطر الليل ثم يأمر مناديا يقول هل من داع فيستجاب له) يجزم بإرادة الإسناد المجازي في باقي الروايات فيخرج حديث النزول في نظره من عداد المتشابه ويدخل في عداد المحكم حيث رده ألية.
تحقيق ابن دقيق العيد قال الإمام المجتهد ابن دقيق العيد: " إن بهان التأويل من المجاز البين الشايع فالحق سلوكه من غير توقف، أو من المجاز البعيد الشاذ فالحق تركه، وإن استوى الأمران فالاختلاف في جوازه وعدم جوازه مسألة فقهية اجتهادية والأمر فيها ليس بالخطر بالنسبة للفريقين ا ه‍ " وهذا كلام نفيس جدا ينبئ عن علم جم، وصراحة في بيان الحق، وتوسط حكيم بخلاف كلام الذين يسعون في إرضاء الطوائف بكلام معقد متشابه يفتح باب التقول لمن بعدهم من الزائغين في المتشابهات، وأين هؤلاء من ابن دقيق العيد في التروي والأمانة والصراحة والتحقيق وا لجمع بين الأصلين والفقه والحديث؟. وعن ابن دقيق العيد هذا يقول ابن المعلم: (كان مبارزا لأهل البدع من الحشوية والصوتية والقائلين بالجهة... منكرا عليهم بيده ولسانه ولفظه وجنانه يغري ويؤلب عليهم ولا يدع لهم رأسا قائمة إلا اقتطعها ولا شجرة يخشى شرها إلا اقتلعها) فتبين من ذلك أن المسلم في سعة من التفويض والتأويل فالأول في حينه أسلم والثاني بشرطه أحكم فلا يتصور أن ينقل التصريح بوجوب التأويل التفصيلي عن الصحابة لأنه لو نقل لوجب التأويل التفصيلي على العالم والجاهل على حد سواء وهذا مما يبرأ منه الشرع الحنيف.
صنيع الصحابة في التأويل وقد كانت الصحابة رضي الله عنهم لا يخوضون في المعضلات حرصا منهم على معتقد الذين قرب عهدهم بالجاهلية وتدريبا لهم على الأعمال النافعة دون المماحكات الفارغة، لأن الخوض فيها يضر ولا ينفع في شخص دون شخص وفي وقت دون وقت - وعمل الفاروق رضي الله عنه في صبيغ معروف - ولم
(١٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 143 144 145 146 147 148 148 149 156 157 158 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 التعريف بموضوع الكتاب 3
2 مقدمة المعلق 3
3 انقشاع ظلمات الجاهلية بمبعثه صلى الله عليه وسلم 3
4 تحين الأعداء الفرص للكيد بالمسلمين 3
5 انخداع سذج الرواة 5
6 فضل علماء أصول الدين في حراسة الدين 5
7 محاولة ابن تيمية بعث الحشوية من مرقدها 6
8 مسايرة ابن القيم لابن تيمية في فتنته 7
9 نماذج من أقوال أصحاب ابن القيم وأضداده والمتحايدين 8
10 أخطر ما يطغى من صنوف الاستغناء 10
11 ردود السبكي على ابن تيمية والكلام في رده على نونية ابن القيم 11
12 مقدمة الكتاب للمؤلف 13
13 الأشعرية اعدل الفرق 15
14 مجامع الزيغ في نونية ابن القيم 20
15 تأسى السبكي بإمام الحرمين في الرد على بعض جهلة أهل الحديث 21
16 مناظرة خيالية بين المشبه والمنزه 23
17 فصل: أمثال مضروبة للمعطل والمشبه والموحد 26
18 فصل: في قصيدته النونية 26
19 فصل: تخيل الناظم في أفعال العباد 27
20 فصل: استنكار الناظم إعادة المعدوم 31
21 فصل: زعم الناظم قيام الله تعالى بالحوادث 32
22 فصل: عقد مجلس خيالي.. كلامه في وحدة الوجود 36
23 فصل: الفوقية الحسية 42
24 تسمية الناظم أهل الحق بحزب جنكيزخان 43
25 فتاوى في الرد على القائلين بالحرف والصوت 46
26 رد حديث الأوعال 53
27 الأصابع في كلام الجبر 57
28 الكلام على الساق والنزول والمجيء ووضع القدم 59
29 تصوير الناظم أهل الحق أسوأ تصوير 62
30 كذب الناظم على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم 63
31 فصل: قال: في قدوم ركب الإيمان وعسكر القرآن 65
32 عدم تمييز الناظم بين اللازم والملزوم 68
33 تخبط الناظم في الصوت 68
34 كلام واف في أحاديث الصوت 71
35 فصل: قوله: إنه يلزم من نفى صفة الكلام نفى الرسالة 73
36 فصل: وقيعة الناظم وشيخه في ابن حزم 75
37 الخلاف بين احمد والبخاري رضى الله عنهما في الفظ 77
38 فصل: في مقالة الفلاسفة والقرامطة 78
39 فصل: في الاتحادية 78
40 الرد على عثمان بن سعيد في إثباته الحركة 81
41 الرد على قول الناظم بالإيجاب 82
42 فصل: في تجويز التسلسل في الماضي 83
43 الرد على كلام الناظم في الزمان 84
44 فصل: في الرد على الجهمية 86
45 فصل: نصوص ابن تيمية في الفوقية الحسية 90
46 قول أبى حيان في ابن تيمية 94
47 صيغة استتابة ابن تيمية في الاستواء والصوت وخطوط كبار العلاء 94
48 فصل: كلمة ابن تيمية في العلو والفوقية والرد عليه 100
49 فصل: حديث النزول 102
50 فصل: الإشارة إلى رفع الأيدي إلى السماء 104
51 فصل: دعوى الناظم في الرؤية بدون مقابلة 105
52 فصل: بسط الكلام في السؤال ب‍ " أين " في حديث الجارية 106
53 توهين سند حديث أبى رزين 109
54 تفنيد زعم الإجماع على الفوقية الحسية 113
55 بسط الكلام في رد القول بالجهة 114
56 تناقض ابن تيمية في الجهة وكذبه 117
57 مخالفات ابن تيمية 120
58 رد المصنف على الناظم في الفوقية 128
59 روايات الضراب عن مالك في النزول 128
60 قول اليافعي في الحشوية 130
61 أحد المراسيم الصادرة في حق ابن تيمية 132
62 نص الإمام أحمد في المجئ 137
63 معنى كتب ربكم على نفسه بيده 139
64 سخف عثمان بن سعيد في التمسك بحديث حصين في الفوقية 141
65 الشعر المنسوب إلى ابن رواحة رضى الله عنه 143
66 حديث بنى قريظة 144
67 حدث جابر رضى الله عنه 145
68 فصل: ممتع في التأول 148
69 قول ابن حجر في التأويل 150
70 تحقيق ابن دقيق العيد 151
71 صنيع الصحابة في التأويل 152
72 اضطراب الحشوية 153
73 القول بالتجلي في الصور 156
74 تبديع الفلاسفة وإكفارهم 157
75 القول بتجرد الروح 159
76 نص من ابن تيمية في الحد والجسم 160
77 قول السلف في العين واليد 167
78 خداع الناظم وشيخه 167
79 معنى القبضة عند الخلف 168
80 المعطل في الأصل من ينفى الصانع 169
81 فصل: في عهود المثبتين مع الله رب العالمين 175
82 فصل: افتراؤهم المثلث على الأشعرية 175
83 فصل: في حياة الأنبياء 177
84 فتيا الأئمة في إنكاره شد الرحل لزيارته صلى الله عليه وسلم 177
85 نص ابن عقيل الحنبلي في تذكرته 180
86 نصوص من المطالب العالية للفخر الرازي 183
87 فصل: في الهدنة بين المعطلة والاتحادية حزب جنكسخان 189
88 فصل: في مصارع المعطلة باسنة الموحدين 189
89 كلمة صاحب الدرة المضيئة في ابن تيمية 190
90 فصل: في كسر الطاغوت الذي نوا به الصفات 192
91 فصل: في مبدأ العداوة بين الموحدين والمعطلين 193
92 فصل: في أن التعطيل أساس الزندقة 193
93 فصل: في بهت أهل الشرك والتعطيل 194
94 عظم شأن الفخر الرازي في الرد على الحشوية 195
95 ناحت العجل 196
96 الكلام النفسي 197
97 قول ابن القيم في تلازم التعطيل والشرك 199
98 فصل: في مثل المشرك والمعطل 200
99 حال الذهبي ماله وما عليه 202
100 فصل: في أسبق الناس دخولا إلى الجنة 208
101 فصل: في عدد الجنات 209
102 فصل: في يوم المزيد 210
103 خاتمة السيف الصقيل 211
104 مقدمة رسالة الذهبي إلى ابن تيمية 212
105 نص الرسالة بخط ابن قاضي شهبة (بالزنكوغراف) 214
106 نص الرسالة بالحروف العادية 217
107 لماذا يقال للناظم ابن القيم 219
108 خاتمة تكملة الرد 219