السيف الصقيل رد ابن زفيل - السبكي - الصفحة ١٠٧
معاوية ابن الحكم وفي تقريره لمن سأله رواه أبو رزين).
أقول: أما القول فقوله صلى الله عليه وسلم للجارية (أين (1) الله؟ قالت في

(١) وراوي هذا الحديث عن ابن الحكم هو عطاء بن يسار وقد اختلفت ألفاظه فيه ففي لفظ له (فمد النبي صلى الله عليه وسلم يده إليها وأشار إليها مستفهما من في السماء...) الحديث، فتكون المحادثة بالإشارة على أن اللفظ يكون ضائعا مع الخرساء الصماء فيكون اللفظ الذي أشار إليه الناظم والمؤلف لفظ أحد الرواة على حسب فهمه لا لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم. ومثل هذا الحديث يصح الأخذ به فيما يتعلق بالعمل دون الاعتقاد، ولذا أخرجه مسلم في باب تحريم الكلام في الصلاة - دون كتاب الإيمان حيث اشتمل على تسميت العاطس في الصلاة ومنع النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ولم يخرجه البخاري في صحيحه وأخرج في جزء خلق الأفعال ما يتعلق بتسميت العاطس من هذا الحديث مقتصرا عليه دون ما يتعلق بكون الله في السماء بدون أي إشارة إلى أنه اختصر الحديث وليس في رواية الليثي عن مالك لفظ (فإنها مؤمنة). وأما عدم صحة الاحتجاج به في إثبات المكان له تعالى فللبراهين القائمة في تنزه الله سبحانه عن المكان والمكانيات والزمان والزمانيات، قال الله تعالى (قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله) (الأنعام: ١٢) وهذا مشعر بأن المكان وكل ما فيه ملك لله تعالى، وقال تعالى (وله ما سكن في الليل والنهار) (الأنعام: ١٣) وذلك يدل على أن الزمان وكل ما فيه ملك لله تعالى، فهاتان الآيتان تدلان على أن المكان والمكانيات والزمان والزمانيات كلها ملك لله تعالى وذلك يدل على تنزيه سبحانه عن المكان والزمان، كما في أساس التقديس للفخر الرازي، ولأن الحديث فيه اضطراب سندا ومتنا رغم تصحيح الذهبي وتهويله راجع طرقه في كتاب العلو للذهبي وشروح الموطأ وتوحيد ابن خزيمة حتى تعلم مبلغ الاضطراب فيه سندا ومتنا، وحمل ذلك على تعدد القصة لا يرضاه أهل الغوص في الحديث والنظر معا في مثل هذا المطلب. فالروايات على رجل مبهم محمولة على ابن الحكم، ولم يصح حديت كعب بن مالك ولا حديث يروى عن امرأة، فمالك يرويه عن عمر بن الحكم غير مقر بأن يكون غلطا فيه، ومسلم عن معاوية بن الحكم ولفظهما كما سبقت الإشارة إليه مع نقص لفظ (فإنها مؤمنة) في رواية مالك.. ولفظ ابن شهاب في موطأ مالك عن أنصاري - وهو صاحب القصة في الرواية الأولى - (فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتشهدين أن لا إله إلا الله؟ قالت: نعم، قال: أتشهدين أن محمدا رسول الله؟ قالت: نعم) وأين هذا من ذاك؟.
وستعرف حال الذهبي في أواخر الكتاب فلا تلتفت إلى تهويله وتحريفه في هذا الباب فلعل لفظ (أين الله) تغيير بعض الرواة على حسب فهمه.
والرواية بالمعنى شائعة في الطبقات كلها وإذا وقعت الرواية بالمعنى من غير فقيه فهناك الطامة، وصاحب القصة لم يكن من فقهاء الصحابة ولا له سوى هذا الحديث في التحقيق، بل كان أعرابيا يتكلم في الصلاة. على أن (أين) تكون للسؤال عن المكان وللسؤال عن المكانة حقيقة في الأولى ومجازا في الثاني أو حقيقة فيهما، قال أبو بكر ابن العربي في شرح حديث أبي رزين في العارضة: المراد بالسؤال بأين عنه تعالى المكانة، فإن المكان يستحيل عليه، وأين مستعملة فيه، وقيل إن استعمالها في المكان حقيقة وفي المكانة مجاز وقيل هما حقيقتان، وكل جار على أصل التحقيق مستعمل على كل لسان وعند كل فريق ا ه‍. وقال أبو الوليد الباجي في المنتقى: يقال مكان فلان في السماء بمعنى علو حاله ورفعته وشرفه، فلعل الجارية تريد وصفه بالعلو، وبذلك يوصف كل من شأنه العلو ا ه‍ فيكون معنى (أين الله) ما هي مكانة الله عندك ومعنى (في السماء) أنه تعالى في غاية من علو الشأن، يتحد هذا المعنى مع معنى (أتشهدين أن لا إله إلا الله قالت نعم) فإن قيل فليكن لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم هو (أين الله ولفظ الراوي هو (أتشهدين....) رواية بالمعنى على الصورة السابقة فالجواب أنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في تلقين الإيمان طول أداء رسالته السؤال بأين أو ذكر ما يوهم المكان ولا مرة واحدة في غير هذه القصة المضطربة بل الثابت عن تلقين كلمة الشهادة، فاللفظ الجاري على الجادة أجدر بأن يكون لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم، على أن المحقق السيد الشريف الجرجاني أجاز في شرح المواقف أن يكون السؤال للاستكشاف عن معتقد الجارية هل هي عابدة وثن أرضى أم هي مؤمنة بالله رب السماوات.
ومن أهل العلم من يعد العامي معذورا في اللفظ الموهم اعتدادا بأصل اعتقاده بالله سبحانه وإن أوهم بعض إيهام في وصفه تعالى. وإليه يشير القرطبي في المفهم في شرح حديث الجارية في صحيح مسلم، قال ابن الجوزي:
قد ثبت عند العلماء أن الله لا تحويه السماء ولا الأرض، ولا تضمه الأقطار، وإنما عرف بإشارتها تعظيم الخالق جل جلاله عندها ا ه‍ وعلى تقدير ثبوت لفظ (أين) فالمعنى الذي ذكره الباجي وابن العربي معنى لا حيدة عنه أصلا وجلالة مقدار هذين الإمامين في الحديث واللغة وأصول الدين والفقه لا يجحدها إلا الجاهلون وقول ذلك الصحابي الذي كان يبغي فوق السماء مظهرا، من الأدلة على ما أشار إليه الباجي.
توهين حديث أبي رزين
(١٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 102 103 104 105 106 107 108 109 112 113 113 ... » »»
الفهرست