ويتحرى موضع الحاجة منهم ويقدم الأولى فالأولى من أهل الخلة والفاقة فإن رأى الخلة في الفقراء في عام أكثر قدمهم وإن رأى في أبناء السبيل في عام آخر أخرجوا لهم. وقال أبو حنيفة وأصحابه: هو مخير يضعه في أي الأصناف شاء، وكذلك قال سفيان الثوري:
وقد روي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنه وهو قول الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح. قال الخطابي: وقوله إن الله لم يرضى بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها، هو دليل على أن بيان الشريعة قد يقع من وجهين، أحدهما ما تولى الله تعالى بيانه في الكتاب وأحكم فرضه فيه فليس به حاجة إلى زيادة من بيان النبي صلى الله عليه وسلم وبيان شهادات الأصول، والوجه الآخر ما ورد ذكره في الكتاب مجملا، ووكل بيانه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فهو تفسيره قولا " وفعلا " أو يتركه على إجماله، ليبينه فقهاء الأمة ويدركوه حتى استنباطا " واعتبارا " بدليل الأصول. وكل ذلك بيان مصدره عن الله سبحانه وتعالى وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يختلفوا أن السهام الستة ثابتة مستقرة لأهلها في الأحوال كلها وإنما اختلفوا في سهم المؤلفة. فقالت طائفة من أهل العلم منهم ثابت يجب أن يعطوه هكذا. قال الحسن البصري وقال: أحمد بن حنبل يعطون إن احتاج المسلمون إلى ذلك. وقالت طائفة: انقطعت المؤلفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروي ذلك عن الشعبي، وكذلك قال أبو حنيفة وأصحابه. وقال مالك: سهم المؤلفة يرجع إلى أهل السهام الباقية وقال الشافعي: لا يعطى من الصدقة مشرك يتألف على الاسلام. فأما العاملون وهم السعاة وجباة الصدقة فإنهم يعطون عماله قدر أجرة مثلهم، فأما إذا كان الرجل هو الذي يتولى اخراج الصدقة وقسمها بين أهلها فليس فيها للعاملين فيه حق انتهى كلامه. قال المنذري: في إسناده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي وقد تكلم فيه غير واحد انتهى.
(ليس المسكين) أي المذكور في قوله تعالى (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) والمعنى: ليس المسكين شرعا المسكين عرفا هو (الذي ترده) عند طوافه على الناس (والأكلة والأكلتان) بضم الهمزة أي اللقمة واللقمتان والمعنى، أي ليس المسكين، من يتردد على الأبواب ويأخذ لقمة، فإن من فعل هذا ليس بمسكين، لأنه يقدر على تحصيل قوته. والمراد ذم من هذا فعله إذا لم يكن مضطرا ". وقال الطيبي: فينبغي أن لا يستحق الزكاة. وقيل ليس المراد نفي استحقاقه بل إثبات المسكنة لغير هذا المتعارف بالمسكنة وإثبات استحقاقه أيضا كذا في المرقاة.