وأحاديث الباب تدل على استحباب التطويل في قراءة المغرب. وقد اختلفت حالات النبي صلى الله عليه وسلم فثبت أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بالطور والصافات، وأنه قرأ فيها بحم الدخان، وأنه قرأ فيها بسبح اسم ربك الأعلى، وأنه قرأ بالتين والزيتون، وأنه قرأ بالمعوذتين، وأنه قرأ بالمرسلات وأنه قرأ بقصار المفصل. وقال رافع بن خديج رضي الله عنه " كنا نصلي المغرب مع النبي صلى الله عليه وسلم فينصرف أحدنا وإنه ليبصر مواقع نبله " رواه البخاري قال الحافظ: وطريق الجمع بين هذه الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم كان أحيانا يطيل القراءة في المغرب إما لبيان الجواز وإما لعلمه بعدم المشقة على المأمومين قال وليس في حديث جبير بن مطعم دليل على أن ذلك تكرر منه وأما حديث زيد بن ثابت ففيه إشعار بذلك لكونه أنكر على مروان المواظبة على القراءة بقصار المفصل، ولو كان مروان يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم واظب على ذلك لاحتج به على زيد، لكن لم يرد زيد منه فيما يظهر المواظبة على القراءة بالطوال، وإنما أراد منه أن يتعاهد ذلك كما رآه من النبي صلى الله عليه وسلم وفي حديث أم الفضل إشعار بأنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الصحة بأطول من المرسلات لكونه كان في شدة مرضه وهو مظنة التخفيف.
(باب من رأى التخفيف فيها) (هذا يدل أن ذاك منسوخ) أي قراءة عروة في المغرب بنحو والعاديات وشبهها من السور يدل على أن التطويل في قراءة المغرب منسوخ. ولم يبين المؤلف وجه الدلالة وكأنه لما رأى عروة راوي الخبر عمل بخلافه حمله على أنه اطلع على ناسخه. قال الحافظ: ولا يخفى بعد هذا الحمل، وكيف تصح دعوى النسخ وأم الفضل تقول إن اخر صلاة صلاها بهم قرأ بالمرسلات. انتهى. قلت: إن سلك في هذه المسألة مسلك النسخ يثبت نسخ قراءة القصار بحديث أم الفضل لا العكس.
واعلم أنه لما ورد على القائلين باستحباب القصار في المغرب، أنهم كيف قالوا به مع ثبوت طوال المفصل بل أطول منها عن النبي صلى الله عليه وسلم أجابوا عنه بثلاثة وجوه. الأول: أن تطويل القراءة لعله كان أولا نسخ ذلك وترك بما ورد في قراءة المفصل. والثاني: أنه لعله فرق