السورة الطويلة في ركعتين ولم يقرأها بتمامها في ركعة واحدة فصار قدر ما قرأ في الركعة بقدر القصار. والثالث: أن هذا بحسب اختلاف الأحوال قرأ بالطوال لتعليم الجواز والتنبيه على أن وقت المغرب ممتد، وعلى أن قراءة القصار فيه ليس بأمر حتمي.
وأقول الجوابان الأولان مخدوشان: أما الأول فلأن مبناه على احتمال النسخ والنسخ لا يثبت بالاحتمال ولأن كونه متروكا إنما يثبت لو ثبت تأخر قراءة القصار على قراءة الطوال من حيث التاريخ وهو ليس بثابت، ولأن حديث أم الفضل صريح في أنها آخر ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم هو سورة المرسلات في المغرب فحينئذ إن سلك مسلك النسخ يثبت نسخ قراءة القصار لا العكس. وأما الثاني فلأن إثبات التفريق في جميع ما ورد في قراءة الطوال مشكل، ولأنه قد ورد صريحا في رواية البخاري وغيره ما يدل على أن جبير بن مطعم سمع الطور بتمامه قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم في المغرب فلا يفيد حينئذ ليت ولعل، ولأنه قد ورد في حديث عائشة في سنن النسائي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ بسورة الأعراف في المغرب فرقها في ركعتين ومن المعلوم أن نصف الأعراف لا يبلغ مبلغ القصار، فلا يفيد التفريق لإثبات القصار، فإذن الجواب الصواب هو الثالث. كذا قال بعض العلماء.
قلت: هذا الجواب الثالث أيضا مخدوش لما في صحيح البخاري وغيره، من إنكار زيد بن ثابت على مروان مواظبته على قصار المفصل في المغرب، ولو كانت قراءته صلى الله عليه وسلم السور الطويلة في المغرب لبيان الجواز لما كان ما فعله مروان من المواظبة على قصار المفصل إلا محض السنة ولم يحسن من هذا الصحابي الجليل إنكار ما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفعل غيره إلا لبيان الجواز، ولو كان الأمر كذلك لما سكت مروان عن الاحتجاج بمواظبته صلى الله عليه وسلم في مقام الإنكار عليه. وأيضا بيان الجواز يكفي فيه مرة واحدة، وقد عرفت أنه قرأ بالسور الطويلة مرات متعددة. فالحق أن القراءة في المغرب بطوال المفصل وقصاره وسائر السور سنة، والاقتصار على نوع من ذلك إن انضم إليه اعتقاد أنه السنة دون غيره مخالف لهديه صلى الله عليه وسلم والله تعالى أعلم.
(عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال) أي جده عبد الله بن عمرو بن العاص.
قال ابن حجر: ولا يحتمل هنا عود الضمير لجد شعيب، فيكون الحديث عن عمرو لأن