اعتقد هذا العبد من العباد سواء كان نبيا أو غير نبي فهو في ضلال مبين وهكذا الاستدلال على منع التوسل بقوله (ليس لك من الامر شئ) قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا فإن هاتين الآيتين مصرحتان بأنه ليس لرسول الله من أمر الله شئ وأنه لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا فكيف يملك لغيره وليس فيهما منع التوسل به أو بغيره من الأنبياء أو الأولياء أو العلماء وقد جعل الله لرسوله المقام المحمود لمقام الشفاعة العظمى وأرشد الخلق إلى أن يسألوه ذلك ويطلبوه منه وقال له سل تعطه واشفع تشفع وقيل ذلك في كتابه العزيز بأن الشفاعة لا تكون إلا بإذنه ولا تكون إلا لمن ارتضى وهكذا الاستدلال على منع التوسل بقوله لما نزل قوله تعالى وأنذر عشيرتك الأقربين يا فلان بن فلان لا أملك لك من الله شيئا يا فلانة بنت فلان لا أملك لك من الله شيئا فإن هذا ليس فيها إلا التصريح بأنه لا يستطيع نفع من أراد الله ضره ولا ضر من أراد الله تعالى نفعه وأنه لا يملك لأحد من قرابته فضلا عن غيرهم شيئا من الله وهذا معلوم لكل مسلم وليس فيه أنه لا يتوسل به إلى الله فإن ذلك هو طلب الأمر ممن له الأمر والنهي وإنما أراد الطالب أن يقدم بين يدي طلبه ما يكون سببا للإجابة ممن هو المنفرد بالعطاء والمنع وهو مالك يوم الدين انتهى كلام الشوكاني قلت الحق عندي أن التوسل بالنبي في حياته بمعنى التوسل بدعائه وشفاعته جائز وكذا التوسل بغيره من أهل الخير والصلاح في حياتهم بمعنى التوسل بدعائهم وشفاعتهم أيضا جائز وأما التوسل به بعد مماته وكذا التوسل بغيره من أهل الخير والصلاح بعد مماتهم فلا يجوز واختاره الإمام ابن تيمية في رسالته التوسل والوسيلة وقد أشبع الكلام في تحقيقه وأجاد فيه فعليك أن تراجعها ومن جملة كلامه فيها وإذا كان كذلك فمعلوم أنه إذا ثبت عن عثمان بن حنيف أو غيره أنه جعل من المشروع المستحب أن يتوسل بالنبي بعد موته من غير أن يكون النبي داعيا له ولا شافعا فيه فقد علمنا أن عمر وأكابر الصحابة لم يروا هذا مشروعا بعد مماته كما كان يشرع في حياته بل كانوا في الاستسقاء في حياته يتوسلون به فلما مات لم يتوسلوا به بل قال عمر في دعائه الصحيح المشهور الثابت باتفاق أهل العلم بمحضر من المهاجرين والأنصار في عام الرمادة المشهور لما اشتد بهم الجدب حتى حلف عمر لا يأكل سمنا حتى يخصب الناس ثم لما استسقى بالناس قال اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون وهذا دعاء أقره عليه جميع الصحابة لم ينكره أحد مع شهرته وهو من أظهر الإجماعات الإقرارية ودعا بمثله معاوية بن أبي سفيان في خلافته لما استسقى بالناس فلو كان توسلهم بالنبي بعد مماته كتوسلهم في حياته لقالوا كيف نتوسل بمثل العباس ويزيد بن الأسود ونحوهما ونعدل عن التوسل بالنبي الذي هو أفضل الخلائق وهو أفضل الوسائل وأعظمها عند
(٢٧)