قلت قد تقرر في أصول الحديث أن مجرد الاختلاف لا يوجب الاضطراب بل من شرطه استواء وجوه الاختلاف فمتى رجح أحد الأقوال قدم (ولا يعل الصحيح) بالمرجوح ومع الاستواء يتعذر الجمع على قواعد المحدثين وههنا وجوه الاختلاف ليست بمستوية فإن في ثبوت لفظ ( تحت السرة) في رواية ابن أبي شيبة نظرا قويا كما تقدم بيانه وأما رواية ابن خزيمة بلفظ على صدره ورواية البزار بلفظ عد صدره فالأولى راجحة فتقدم على الأخرى ووجه الرجحان أن لها شاهدا حسنا من حديث هلب وأيضا يشهدها مرسل طاوس بخلاف الأخرى فليس لها شاهد ولو سلم أنهما متساويتان فالجمع بينهما ليس بمتعذر قال الشيخ أبو المحاسن محمد الملقب بالقائم السندي في رسالته فوز الكرام قال العلامة الشيخ أبو الحسن في رسالة جواز التقليد والعمل بالحديث بعد ذكر حديث وائل وهلب ومرسل طاوس وتفسير علي وأنس وابن عباس هذه الأحاديث قد أخذ بها الشافعي لكن قال بوضع اليد على الصدر بحيث تكون اخر اليد تحت الصدر جمعا بين هذه الأحاديث وبين ما في بعض الروايات عند الصدر إنتهى وقد جمع بعض أهل العلم بينهما بالحمل على صلاتين مختلفتين ونظير هذا الاختلاف اختلاف رفع اليدين حذو المنكبين وحذو الأذنين في الصلاة فقول بعض الحنفية بالاضطراب في حديث وائل مما لا يصغي إليه تنبيه اخر قال النيموي في اثار السنن بعد ذكر حديث هلب الطائي رواه أحمد وإسناده حسن لكن قوله على صدره غير محفوظ يعني أنه شاذ وبين وجه كونه شاذا غير محفوظ أن يحيى بن سعيد القطان خالف في زيادة قوله على صدره غير واحد من أصحاب سفيان وسماك فإنهم لم يذكروا هذه الزيادات وعرف الشاذ بأنه ما رواه الثقة مخالفا في نوع من الصفات لما رواه جماعة من الثقات أو من هو أوثق منه وأحفظ وأعم من أن تكون المخالفة منافية للرواية الأخرى أم لا وأدعى أن هذا هو مذهب الشافعي وأحمد بن حنبل وابن معين والبخاري وغيرهم من المحدثين المتقدمين واستدل عليه بأن هذا يفهم من صنيعهم في زيادة ثم لا يعود في حديث ابن مسعود وصاعدا في حديث عبادة وإذا قرأ فانصتوا في حديث أبي هريرة وأبي موسى الأشعري وكذلك في كثير من المواضع حيث جعلوا الزيادات شاذة بزعمهم أن راويها قد تفرد بها مع أن هذه الزيادات غير منافية لأصل الحديث قلت تعريف الشاذ هذا الذي ذكره صاحب اثار السنن ليس بصحيح وليس هو مذهب المحدثين المتقدمين البتة وجه عدم صحته أنه يلزم منه أن يكون كل زيادة زادها ثقة ولم يزدها جماعة من الثقات أو لم يزدها من هو أوثق منه وليست منافية لأصل الحديث شاذة غير مقبولة
(٨٢)