في أنه صلى الله عليه وسلم لم يفعل من ذلك شيئا إلا بالوحي (قوله أوليس كنت حدثتنا أنا سنأتي البيت) في رواية بن إسحاق كان الصحابة لا يشكون في الفتح لرؤيا رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأوا الصلح دخلهم من ذلك أمر عظيم حتى كادوا يهلكون وعند الواقدي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان رأى في منامه قبل أن يعتمر أنه دخل هو وأصحابه البيت فلما رأوا تأخير ذلك شق عليهم ويستفاد من هذا الفصل جواز البحث في العلم حتى يظهر المعنى وأن الكلام يحمل على عمومه وإطلاقه حتى تظهر إرادة التخصيص والتقييد وأن من حلف على فعل شئ ولم يذكر مدة معينة لم يحنث حتى تنقضي أيام حياته قوله (فأتيت أبا بكر) لم يذكر عمر أنه راجع أحدا في ذلك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم غير أبي بكر الصديق وذلك لجلالة قدره وسعة علمه عنده وفي جواب أبي بكر لعمر بنظير ما أجابه النبي صلى الله عليه وسلم سواء دلالة على أنه كان أكمل الصحابة وأعرفهم بأحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلمهم بأمور الدين وأشدهم موافقة لأمر الله تعالى وقد وقع التصريح في هذا الحديث بأن المسلمين استنكروا الصلح المذكور وكانوا على رأي عمر في ذلك وظهر من هذا الفصل أن الصديق لم يكن في ذلك موافقا لهم بل كان قلبه على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء وسيأتي في الهجرة أن ابن الدغنة وصف أبا بكر الصديق بنظير ما وصفت به خديجة رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء من كونه يصل الرحم ويحمل الكل ويعين على نوائب الحق وغير ذلك ولما كانت صفاتهما متشابهة من الابتداء استمر ذلك إلى الانتهاء وقول أبي بكر فاستمسك بغرزه هو بفتح الغين المعجمة وسكون الراء بعدها زاي وهو أي الغرز للإبل بمنزلة الركب للفرس والمراد به التمسك بأمره وترك المخالفة له كالذي يمسك بركب الفارس فلا يفارقه (قوله قال الزهري قال عمر فعملت لذلك أعمالا) هو موصول إلى الزهري بالسند المذكور وهو منقطع بين الزهري وعمر قال بعض الشراح قوله أعمالا أي من الذهاب والمجئ والسؤال والجواب ولم يكن ذلك شكا من عمر بل طلبا لكشف ما خفي عليه وحثا على إذلال الكفار لما عرف من قوته في نصرة الدين اه وتفسير الأعمال بما ذكر مردود بل المراد به الأعمال الصالحة ليكفر عنه ما مضى من التوقف في الامتثال ابتداء وقد ورد عن عمر التصريح بمراده بقوله أعمالا ففي رواية ابن إسحاق وكان عمر يقول ما زلت أتصدق وأصوم وأصلي وأعتق من الذي صنعت يومئذ مخافة كلامي الذي تكلمت به وعند الواقدي من حديث ابن عباس قال عمر لقد أعتقت بسبب ذلك رقابا وصمت دهرا وأما قوله ولم يكن شكا فإن أراد نفي الشك في الدين فواضح وقد وقع في رواية بن بن إسحاق أن أبا بكر لما قال له ألزم غرزه فإنه رسول الله قال عمر وأنا أشهد أنه رسول الله وأن أراد نفي الشك في وجود المصلحة وعدمها فمردود وقد قال السهيلي هذا الشك هو ما لا يستمر صاحبه عليه وإنما هو من باب الوسوسة كذلك قال والذي يظهر أنه توقف منه ليقف على الحكمة في القصة وتنكشف عنه الشبهة ونظيره قصته في الصلاة على عبد الله بن أبي إن كان في الأولى لم يطابق اجتهاده الحكم بخلاف الثانية وهي هذه القصة وإنما عمل الأعمال المذكورة لهذه وإلا فجميع ما صدر منه كان معذورا فيه بل هو مأجور لأنه مجتهد فيه (قوله فلما فرغ من قضية الكتاب) زاد ابن إسحاق في روايته فلما فرغ من الكتاب أشهد على الصلح رجالا من المسلمين ورجالا من المشركين
(٢٥٥)