ممن جعل له أمر عقد الصلح بخلاف سهيل وفيه نظر فإن الوقدي روى أن مكرزا كان ممن جاء في الصلح مع سهيل وكان معهما حويطب بن عبد العزي لكن ذكر في روايته ما يدل على أن إجازة مكرز لم تكن في أن لا يرده إلى سهيل بل في تأمينه من التعذيب ونحو ذلك وأن مكرزا وحويطبا أخذا أبا جندل فأدخلاه فسطاطا وكفا أباه عنه وفي مغازي ابن عائذ نحو ذلك كله من رواية أبي الأسود عن عروة ولفظه فقال مكرز بن حفص وكان ممن أقبل مع سهيل بن عمرو في التماس الصلح أنا له جار وأخذ قيده فأدخله فسطاطا وهذا لو ثبت لكان أقوى من الاحتمالات الأول فإنه لم يجزه بأن يقره عند المسلمين بل ليكف العذاب عنه ليرجع إلى طواعية أبيه فما خرج بذلك عن الفجور لكن يعكر عليه قوله في رواية الصحيح قال مكرز قد أجزناه لك يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم بذلك (قوله قال أبو جندل أي معشر المسلمين أرد إلى المشركين الخ) زاد ابن إسحاق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا جندل أصبر واحتسب فأنا لا نغدر وأن الله جاعل لك فرجا ومخرجا وفي رواية أبي المليح فأوصاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فوثب عمر مع أبي جندل يمشى إلى جنبه ويقول أصبر فإنما هم مشركون وإنما دم أحدهم كدم كلب قال ويدني قائمة السيف منه يقول عمر رجوت أن يأخذه مني فيضرب به أباه فضن الرجل أي بخل بأبيه ونفذت القضية قال الخطابي تأول العلماء ما وقع في قصة أبي جندل على وجهين أحدهما أن الله قد أباح التقية للمسلم إذا خاف الهلاك ورخص له أن يتكلم بالكفر مع إضمار الايمان إن لم يمكنه التورية فلم يكن رده إليهم إسلاما لأبي جندل إلى الهلاك مع وجوده السبيل إلى الخلاص من الموت بالتقية والوجه الثاني أنه إنما رده إلى أبيه والغالب أن أباه لا يبلغ به الهلاك وإن عذبه أو سجنه فله مندوحة بالتقية أيضا وأما ما يخاف عليه من الفتنة فإن ذلك امتحان من الله يبتلي به صبر عباده المؤمنين واختلف العلماء هل يجوز الصلح مع المشركين على أن يرد إليهم من جاء مسلما من عندهم إلى بلاد المسلمين أم لا فقيل نعم على ما دلت عليه قصة أبي جندل وأبي بصير وقيل لا وأن الذي وقع في القصة منسوخ وأن ناسخه حديث أنا برئ من مسلم بين مشركين وهو قول الحنفية وعند الشافعية تفصيل بين العاقل والمجنون والصبي فلا يردان وقال بعض الشافعية ضابط جواز الرد أن يكون المسلم بحيث لا تجب عليه الهجرة من دار الحرب والله أعلم (قوله قال عمر بن الخطاب فأتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم هذا مما يقوي أن الذي حدث المسور ومروان بقصة الحديبية هو عمر وكذا ما تقدم قريبا من قصة عمر مع أبي جندل (قوله فقلت ألست نبي الله حقا قال بلى) زاد الواقدي من حديث أبي سعيد قال عمر لقد دخلني أمر عظيم وراجعت النبي صلى الله عليه وسلم مراجعة ما راجعته مثلها قط وفي حديث سهيل بن حنيف الآتي في الجزية وسورة الفتح فقال عمر ألسنا على الحق وهم على الباطل أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار فعلام نعطى الدنية بفتح المهملة وكسر النون وتشديد التحتانية في ديننا ونرجع ولم يحكم الله بيننا فقال يا ابن الخطاب إني رسول الله ولن يضيعني الله فرجع متغيظا فلم يصبر حتى جاء أبا بكر وأخرجه البزار من حديث عمر نفسه مختصرا ولفظه فقال عمر اتهموا الرأي على الدين فلقد رأيتني أرد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برأي وما ألوت عن الحق وفيه قال فرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبيت حتى قال لي يا عمر تراني رضيت وتأبى (قوله اني رسول الله ولست أعصيه) ظاهر
(٢٥٤)