ويرد على من نسبه إليها معذرة من نسبه إليها ممن لا يعرف صورة حاله لان خلاء القصواء لولا خارق العادة لكان ما ظنه الصحابة صحيحا ولم يعاتبهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك لعذرهم في ظنهم قال وفيه جواز التصرف في ملك الغير بالمصلحة بغير إذنه الصريح إذا كان سبق منه ما يدل على الرضا بذلك لانهم قالوا حل حل فزجروها بغير إذن ولم يعاتبهم عليه (قوله حبسها حابس الفيل) زاد إسحاق في روايته عن مكة أي حبسها الله عز وجل عن دخول مكة كما حبس الفيل عن دخولها وقصة الفيل مشهورة ستأتي الإشارة إليها في مكانها ومناسبة ذكرها أن الصحابة لو دخلوا مكة على تلك الصورة وصدهم قريش عن ذلك لوقع بينهم قتال قد يفضي إلى سفك الدماء ونهب الأموال كما لو قدر دخول الفيل فأصحابه مكة لكن سبق في علم الله تعالى في الموضعين أنه سيدخل في الاسلام خلق منهم ويستخرج من أصلابهم ناس يسلمون ويجاهدون وكان بمكة في الحديبية جمع كثير مؤمنون من المستضعفين من الرجال والنساء والولدان فلو طرق الصحابة مكة لما أمن أن يصاب ناس منهم بغير عمد كما أشار إليه تعالى في قوله ولولا رجال مؤمنون الآية ووقع للمهلب استبعاد جواز هذه الكلمة وهي حابس الفيل على الله تعالى فقال المراد حبسها أمر الله عز وجل وتعقب بأنه يجوز إطلاق ذلك في حق الله فيقال حبسها الله حابس الفيل وإنما الذي يمكن أن يمنع تسميته سبحانه وتعالى حابس الفيل ونحوه كذا أجاب بن المنير وهو مبني على الصحيح من أن الأسماء توقيفية وقد توسط الغزالي وطائفة فقالوا محل المنع ما لم يرد نص بما يشتق منه بشرط أن لا يكون ذلك الاسم المشتق مشعرا بنقص فيجوز تسميته الواقي لقوله تعالى ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته ولا يجوز تسميته البناء وأن ورد قوله تعالى والسماء بنيناها بأيد وفي هذه القصة جواز التشبيه من الجهة العامة وأن اختلفت الجهة الخاصة لان أصحاب الفيل كانوا على باطل محض وأصحاب هذه الناقة كانوا على حق محض لكن جاء التشبيه من جهة إرادة الله منع الحرم مطلقا أما من أهل الباطل فواضح وأما من أهل الحق فللمعنى الذي تقدم ذكره وفيه ضرب المثل واعتبار من بقي بمن مضى قال الخطابي معنى تعظيم حرمات الله في هذه القصة ترك القتال في الحرم والجنوح إلى المسالمة والكف عن إراقة الدماء واستدل بعضهم بهذه القصة لمن قال من الصوفية علامة الاذن التيسير وعكسه وفيه نظر (قوله والذي نفسي بيده) فيه تأكيد القول باليمين فيكون أدعى إلى القبول وقد حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم الحلف في أكثر من ثمانين موضعا قاله بن القيم في الهدى (قوله لا يسألونني خطة) بضم الخاء المعجمة أي خصلة (يعظمون فيها حرمات الله) أي من ترك القتال في الحرم ووقع في رواية بن إسحاق يسألونني فيها صلة الرحم وهي من جملة حرمات الله وقيل المراد بالحرمات حرمة الحرم والشهر والاحرام قلت وفي الثالث نظر لانهم لو عظموا الاحرام ما صدوه (قوله إلا أعطيتهم إياها) أي أجبتهم إليها قال السهيلي لم يقع في شئ من طرق الحديث أنه قال إن شاء الله مع أنه مأمور بها في كل حالة والجواب أنه كان أمرا واجبا حتما فلا يحتاج فيه إلى الاستثناء كذا قال وتعقب بأنه تعالى قال في هذه القصة لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين فقال إن شاء الله مع تحقق وقوع ذلك تعليما وارشادا فالأولى أن يحمل على أن الاستثناء سقط من الراوي أو كانت القصة قبل نزول الامر بذلك ولا يعارضه كون الكهف مكية إذا لا مانع أن يتأخر نزول بعض السورة
(٢٤٤)