وذهب جماعة من الأئمة إلى أن هذه الآية منسوخة وأن ناسخها قوله تعالى ممن ترضون من الشهداء واحتجوا بالاجماع على رد شهادة الفاسق والكافر شر من الفاسق وأجاب الأولون بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال وأن الجمع بين الدليلين أولى من إلغاء أحدهما وبأن سورة المائدة من آخر ما نزل من القرآن حتى صح عن بن عباس وعائشة وعمرو بن شرحبيل وجمع من السلف أن سورة المائدة محكمة وعن بن عباس أن الآية نزلت فيمن مات مسافرا وليس عنده أحمد من المسلمين فإن اتهما استحلفا أخرجه الطبري بإسناد رجاله ثقات وأنكر أحمد على من قال أن هذه الآية منسوخة وصح عن أبي موسى الأشعري أنه عمل بذلك بعد النبي صلى الله عليه وسلم فروى أبو داود بإسناد رجاله ثقات عن الشعبي قال حضرت رجلا من المسلمين الوفاة بدقوقا ولم يجد أحدا من المسلمين فأشهد رجلين من أهل الكتاب فقدما الكوفة بتركته ووصيته فأخبر الأشعري فقال هذا لم يكن بعد الذي كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحلفهما بعد العصر ما خانا ولا كذبا ولا كتما ولا بدلا وأمضى شهادتهما ورجح الفخر الرازي وسبقه الطبري لذلك أن قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا خطاب للمؤمنين فلما قال أو آخران وضح أنه أراد غير المخاطبين فتعين أنهما من غير المؤمنين وأيضا فجواز استشهاد المسلم ليس مشروطا بالسفر وأن أبا موسى حكم بذلك فلم ينكره أحد من الصحابة فكان حجة وذهب الكرابيسي ثم الطبري وآخرون إلى أن المراد بالشهادة في الآية اليمين قال وقد سمي الله اليمين شهادة في آية اللعان وأيدوا ذلك بالاجماع على أن الشاهد لا يلزمه أن يقول أشهد بالله وأن الشاهد لا يمين عليه أنه شهد بالحق قالوا فالمراد بالشهادة اليمين لقوله فيقسمان بالله أي يحلفان فإن عرف أنهما حلفا على الاثم رجعت اليمين على الأولياء وتعقب بأن اليمين لا يشترط فيها عدد ولا عدالة بخلاف الشهادة وقد اشترطا في هذه القصة فقوي حملها على أنها شهادة وأما اعتلال من اعتل في ردها بأنها تخالف القياس والأصول لما فيها من قبول شهادة الكافر وحبس الشاهد وتحليفه وشهادة المدعي لنفسه واستحقاقه بمجرد اليمين فقد أجاب من قال به بأنه حكم بنفسه مستغنى عن نظيره وقد قبلت شهادة الكافر في بعض المواضع كما في الطب وليس المراد بالحبس السجن وإنما المراد الامساك لليمين ليحلف بعد الصلاة واما تحليف الشاهد فهو مخصوص بهذه الصورة عند قيام الريبة وأما شهادة المدعي لنفسه واستحقاقه بمجرد اليمين فإن الآية تضمنت نقل الايمان إليهم عند ظهور اللوث بخيانة الوصيين فيشرع لهما أن يحلفا ويستحقا كما يشرع لمدعي الدم في القسامة أن يحلف ويستحق فليس هو من شهادة المدعي لنفسه بل من باب الحكم له بيمينه القائمة مقام الشهادة لقوة جانبه وأي فرق بين ظهور اللوث في صحة الدعوى بالدم وظهوره في صحة الدعوى بالمال وحكى الطبري أن بعضهم قال المراد بقوله اثنان ذوا عدل منكم الوصيان قال والمراد شهادة بينكم معنى الحضور لما يوصيهما به الموصي ثم زيف ذلك (قوله باب قضاء الوصي ديون الميت بغير محضر من الورثة) قال الداودي لا خلاف بين العلماء في حكم هذه التراجم أنه جائز (قوله حدثنا محمد بن سابق أو الفضل بن يعقوب عنه) هكذا وقع هنا بالشك وقد روى البخاري عن أبي جعفر محمد بن سابق البغدادي مولى بني تميم بواسطة في أول حديث في الجهاد وهو عقب هذا سواء وفي المغازي والنكاح والأشربة ولم يرو عنه بغير واسطة إلا في هذا الموضع مع التردد في ذلك وأما الفضل بن
(٣١٠)