جندل إلى أبيه سهيل بن عمرو ولم يأته أحد من الرجال في تلك المدة إلا رده وقائل ذلك يشبه أن يكون هو عمر لما سيأتي وسمي الواقدي ممن قال ذلك أيضا أسيد بن حضير وسعد بن عبادة وسيأتي في المغازي أن سهل بن حنيف كان ممن أنكر ذلك أيضا ولمسلم من حديث أنس بن مالك أن قريشا صالحت النبي صلى الله عليه وسلم على أنه من جاء منكم لم نرده عليكم ومن جاءكم منا رددتموه إلينا فقالوا يا رسول الله أنكتب هذا قال نعم أنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله ومن جاء منهم إلينا فسيجعل الله له فرجا ومخرجا وزاد أبو الأسود عن عروة هنا ولابن عائذ من حديث ابن عباس نحوه فلما لان بعضهم لبعض في الصلح وهم على ذلك إذ رمى رجل من الفريقين رجلا من الفريق الاخر فتصايح الفريقان وارتهن كل من الفريقين من عندهم فارتهن المشركون عثمان ومن أتاهم من المسلمين وارتهن المسلمون سهيل بن عمرو ومن معه ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيعة فبايعوه تحت الشجرة على أن لا يفروا وبلغ ذلك المشركين فأرعبهم الله فأرسلوا من كان مرتهنا ودعوا إلى الموادعة وأنزل الله تعالى وهو الذي كف أيديهم عنكم الآية وسيأتي في غزوة الحديبية بيان من أخرج هذه القصة موصولة وكيفية البيعة عند الشجرة والاختلاف في عدد من بايع وفي سبب البيعة إن شاء الله تعالى (قوله فبينما هم كذلك إذ دخل أبو جندل) بالجيم والنون وزن جعفر وكان اسمه العاصي فتركه لما أسلم وله أخ اسمه عبد الله أسلم أيضا قديما وحضر مع المشركين بدرا ففر منهم إلى المسلمين ثم كان معهم بالحديبية ووهم من جعلهما واحدا وقد استشهد عبد الله باليمامة قبل أبي جندل بمدة وأما أبو جندل فكان حبس بمكة ومنع من الهجرة وعذب بسبب الاسلام كما في حديث الباب وفي رواية بن إسحاق فإن الصحيفة لتكتب إذ طلع أبو جندل بن سهيل وكان أبوه حبسه فأفلت وفي رواية أبو الأسود عن عروة وكان سهيل أوثقه وسجنه حين أسلم فخرج من السجن وتنكب الطريق وركب الجبال حتى هبط على المسلمين ففرح به المسلمون وتلقوه (قوله يرسف) بفتح أوله وضم المهملة وبالفاء أي يمشي مشيا بطيئا بسبب القيد (قوله فقال سهيل هذا يا محمد أول من أقاضيك عليه أن ترده إلي) زاد ابن إسحاق في روايته فقام سهيل بن عمرو إلى أبي جندل فضرب وجهه وأخذ يلببه (قوله إن لم نقض الكتاب) أي لم نفرغ من كتابته (قوله فأجزه لي) بصيغة فعل الامر من الإجازة أي أمض لي فعلي فيه فلا أرده إليك أو أستثنيه من القضية ووقع في الجمع للحميدي فأجره بالراء ورجح ابن الجوزي الزاي وفيه أن الاعتبار في العقود بالقول ولو تأخرت الكتابة والاشهاد ولأجل ذلك أمضى النبي صلى الله عليه وسلم لسهيل الامر في رد ابنه إليه وكان النبي صلى الله عليه وسلم تلطف معه بقوله لم نقض الكتاب بعد رجاء أن يجيبه لذلك ولا ينكره بقية قريش لكونه ولده فلما أصر على الامتناع تركه له (قوله قال مكرز بل) كذا للأكثر بلفظ الاضراب وللكشميهني بلى ولم يذكر هنا ما أجاب به سهيل مكرزا في ذلك قيل في الذي وقع من مكرز في هذه القصة إشكال لأنه خلاف ما وصفه به النبي صلى الله عليه وسلم من الفجور وكان من الظاهر أن يساعد سهيلا على أبي جندل فكيف وقع منه عكس ذلك وأجيب بأن الفجور حقيقة ولا يلزم أن لا يقع منه شئ من البر نادرا أو قال ذلك نفاقا وفي باطنه خلافه أو كان سمع قول النبي صلى الله عليه وسلم إنه رجل فاجر فأراد أن يظهر خلاف ذلك وهو من جملة فجوره وزعم بعض الشراح أن سهيلا لم يجب سؤاله لان مكرزا لم يكن
(٢٥٣)