سياق المتن في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى (قوله باب لا حمى إلا لله ولرسوله) ترجم بلفظ الحديث من غير مزيد قال الشافعي يحتمل معنى الحديث شيئين أحدهما ليس لأحد أن يحمي للمسلمين إلا محماه النبي صلى الله عليه وسلم والآخر معناه إلا على مثل ما حماه عليه النبي صلى الله عليه وسلم فعلى الأول ليس لأحد من الولاة بعده أن يحمي وعلى الثاني يختص الحمى بمن قام مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الخليفة خاصة وأخذ أصحاب الشافعي من هذا أن له في المسألتين قولين والراجح عندهم الثاني والأول أقرب إلى ظاهر اللفظ لكن رجحوا الأول بما سيأتي أن عمر حمى بعد النبي صلى الله عليه وسلم والمراد بالحمى منع الرعى في أرض مخصوصة من المباحات فيجعلها الامام مخصوصة برعي بهائم الصدقة مثلا (قوله عن يونس) هو بن يزيد الأيلي ورواية الليث عنه من الاقران لأنه قد سمع من شيخه بن شهاب وفى الاسناد تابعيان وصحابيان (قوله لا حمى) أصل الحمى عند العرب أن الرئيس منهم كان إذا نزل منزلا مخصبا استعوى كلبا على مكان عال فإلى حيث انتهى صوته حماه من كل جانب فلا يرعى فيه غيره ويرعى هو مع غيره فيما سواه والحمى هو المكان المحمي وهو خلاف المباح ومعناه أن يمنع من الاحياء من ذلك الموات ليتوفر فيه الكلأ فترعاه مواش مخصوصة ويمنع غيرها والأرجح عند الشافعية أن الحمى يختص بالخليفة ومنهم من ألحق به ولاة الأقاليم ومحل الجواز مطلقا أن لا يضر بكافة المسلمين واستدل به الطحاوي لمذهبه في اشتراط إذن الإمام في إحياء الموات وتعقب بالفرق بينهما فإن الحمى أخص من الاحياء والله أعلم قال الجوري من الشافعية ليس بين الحديثين معارضة فالحمى المنهي ما يحمى من الموات الكثير العشب لنفسه خاصة كفعل الجاهلية والاحياء المباح ما لا منفعة للمسلمين فيه شاملة فافترقا وإنما تعد أرض الحمى مواتا لكونها لم يتقدم فيها ملك لاحد لكنها تشبه العامر لما فيها من المنفعة العامة (قوله وقال بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع) كذا لجميع الرواة إلا لأبي ذر والقائل هو بن شهاب وهو موصول بالاسناد المذكور إليه وهو مرسل أو معضل وهكذا أخرجه أبو داود من طريق بن وهب عن يونس عن بن شهاب فذكر الموصول والمرسل جميعا ووقع عند أبي ذر وقال أبو عبد الله بلغنا الخ فظن بعض الشراح أنه من كلام البخاري المصنف وليس كذلك فقد أخرجه الإسماعيلي من طريق أحمد بن إبراهيم بن ملحان عن يحيى بن بكير شيخ البخاري فيه فذكر الموصول والمرسل جميعا على الصواب كما أخرجه أبو داود ووقع لأبي نعيم في مستخرجه تخبيط فإنه أخرجه من الوجه الذي أخرجه منه الإسماعيلي فاقتصر في الاسناد الموصول على المتن المرسل وهو قوله حمى النقيع وليس هذا من حديث بن عباس عن الصعب وإنما هو بلاغ للزهري كما تقدم وقد أخرجه سعيد بن منصور من رواية عبد الرحمن بن الحارث عن الزهري جامعا بين الحديثين وأخرجه البيهقي من طريق سعيد ونقل عن البخاري أنه وهم قال البيهقي لان قوله حمى النقيع من قول الزهري يعني من بلاغة ثم روى من حديث بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع لخيل المسلمين ترعى فيه وفي إسناده العمري وهو ضعيف وكذا أخرجه أحمد من طريقه (قوله النقيع) بالنون المفتوحة وحكى الخطابي أن بعضهم صحفه فقال بالموحدة وهو على عشرين فرسخا من المدينة وقدره ميل في ثمانية أميال ذكر ذلك بن وهب في موطئه
(٣٤)