فالرأي أن تنحينا عنك حتى يستقيم لك الخاصة والعامة فيستقيم أمرك، ثم أتى بغداد فدخلها في صفر سنة أربع ومائتين، ولباسه ولباس أصحابه جميعا الخضرة وكذا أعلامهم، وكان قد بعث المأمون الحسن بن سهل إلى بغداد فهزمهم واختفى إبراهيم بن المهدي ونزل المأمون بقصر الرصافة.
قال الصولي فاجتمع بنو العباس إلى زينب بنت سليمان بن علي بن عبد الله ابن عباس، وكانت في القعدد والسؤدد، مثل المنصور. فسألوها أن تدخل على المأمون وتسأله الرجوع إلى لبس السواد وترك الخضرة والإضراب مثل ما كان عليه لأنه عزم بعد موت علي بن موسى أن يعهد إلى محمد بن علي بن موسى الرضا، وإنما منعه من ذلك شغب بني العباس عليه، لأنه كان قد أصر على ذلك حتى دخلت عليه زينب.
فلما دخلت عليه قام ورحب بها وأكرمها، فقالت له: يا أمير المؤمنين إنك على بر أهلك من ولد أبي طالب، والأمر في يدك أقدر منك على برهم والأمر في يد غيرك، أو في أيديهم فدع لباس الخضرة وعد إلى لباس أهلك، ولا تطمعن أحدا فيما كان منك، فعجب المأمون كلامها، وقال لها والله يا عمة ما كلمني أحد بكلام أوقع من كلامك في قلبي، ولا أقصد لما أردت وأنا أحاكمهم إلى عقلك.
فقالت: وما ذاك؟ فقال: ألست تعلمي أن أبا بكر ولي الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، فلم يول أحدا من بني هاشم شيئا قالت: بلى، قال: ثم ولي عمر فكان كذلك، ثم ولي عثمان فأقبل على أهله من بني عبد الشمس فولاهم الأمصار ولم يول أحدا من بني هاشم، ثم ولي علي عليها لسلام فأقبل علي بني هاشم فولى عبد الله بن عباس البصرة، وعبيد الله اليمن، وولى معبدا مكة، وولى قثم بن العباس البحرين، وما ترك أحدا ممن ينتمي إلى العباس إلا ولاه، فكانت له هذه في أعناقنا فكافأته في ولده بما فعلت.