يتهمون المأمون بالرفض لمكان علي بن موسى منه، وأعلموه بما فيه الناس، وبما موه عليه الفضل من أمر هرثمة وإنما هرثمة جاءه لينضحه فقتله الفضل، وإن لم يتدارك أمره وإلا فخرجت الخلافة من يده.
إن طاهر بن الحسين قد أبلى في طاعته ما يعلمه، فأخرج من الأمر كله وجعل في زاوية من الأرض بالرقة لا يستعان به في شئ حتى ضعف أمره وشغب عليه جنده وأنه لو كان ببغداد لضبط الملك، وإن الدنيا قد تفتقت من أقطارها، وسألوا المأمون الخروج إلى بغداد، فإن أهلها لو رأوك لأطاعوك، فلما تحقق ذلك أمر بالرحيل، فعلم الفضل بالحال فبغتهم حتى ضرب بعضهم وحبس بعضهم، ونتف لحى بعضهم، فقال علي بن موسى للمأمون في أمرهم فقال: أنا أداري (1).
قال شهاب الدين النويري: قيل اتي المأمون برجل يريد أن يقتله وعلي ابن موسى الرضا جالس، فقال: ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال: أقول: إن الله تعالى لا يزيدك بحسن العفو إلا عزا، فعفا عنه، وكان المأمون مؤثرا للعفو كأنه غريزة له، وهو الذي يقول: لقد حبب إلى العفو حتى أني أظن أني لا أثاب عليه وأحضر إلى المأمون رجل قد أذنب فقال له المأمون: أنت الذي فعلت كذا وكذا؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين أنا الذي أسرف على نفسه، واتكل على عفوك فعفا عنه (2).
قال السيوطي: وفي سنة إحدى ومائتين خلع المأمون أخاه المؤتمن من العهد وجعل ولي العهد من بعده علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق، حمله على ذلك إفراطه في التشيع حتى قيل: إنه هم أن يخلع نفسه ويفوض الأمر إليه، وهو الذي لقبه الرضا وضرب الدراهم باسمه، وزوجه ابنته، وكتب إلى الآفاق بذلك، وأمر بترك السواد ولبس الخضرة، فاشتد ذلك على بني العباس جدا،