فتبسم ضاحكا من قولها، نعم فوق كل ذلك كانت النملة قد وعظت سليمان ونصحته - يعنى لا تغتر بالدنيا ولا بهذه السلطنة فان الدنيا دار بلاء وفتنة، وكل ما فيها فإلى زوال واضمحلال، كما زال منه كزوال الريح.
فلما استوى اطاعته، واستكمل مدته رمته، قسى الفناء بنبال الموت، وأصبحت الديار منه خالية، والمساكن معطلة، وورثها قوم آخرون، وكانت سلطنة عظيمة لم يسبقه أحد من بني آدم فيها، وان الله قد سخر له ما في الكونين، وامر الجن فنسجوا له بساطا من الإبريسم والذهب، وكان يجلس عليه مع خاصته، وكان في مجلسه على البساط ستمائة الف كرسي يجلس عليها العلماء والأنبياء، ولسليمان سرير مرصع موضوع في وسط الكراسي يجلس عليه وتحفه حفدته، وجاءت الطيور بأجمعها على روس هؤلاء تظللهم، وسخر له الريح غدوها شهر ورواحها شهر، وكان يسير أول النهار من مكة ويتغدى بالكوفة ويتعشى بالشام، وقد زاد في ملكه بأنه ما يتكلم أحد بكلمة أينما كان إلا ألقته في اذنه حتى يسمع، ومع هذا الملك كان لم يأكل ما مسته النار بل كان يعمل سفيف الخوص زنبيلا فيشترى بثمنه شعيرا فيضعه بين صخرتين حتى يصير جريشا ويجعله في الشمس حتى يجف فيأكله، فإذا جنة الليل نزع ثياب الملك ولبس ثيابا من ليف النخل، وغل يديه إلى عنقه وقام باكيا إلى الصباح.
(وروى) انه يدخل الجنة بعد الأنبياء بثلاثمائة عام لطول حسابه في يوم القيامة نعم في حلالها حساب، وفى حرامها عقاب، وفى الشبهات عتاب فينبغي للعاقل ان يحرز نفسه منها، ولا يأخذ من الدنيا إلا بقدر الحاجة ورفع الضرورة كما يأخذ من الميتة عند الحاجة قال مولانا الحسن " ع " فأنزل الدنيا بمنزلة الميتة خذ منها ما يكفيك فإن كان ذلك حلالا كنت قد زهدت فيه، وإن كان حراما لم يكن فيه وزر فأخذت كما اخذت من الميتة، وإن كان العتاب فان العتاب يسير بأبي وأمي كان يعط بهذه الموعظة وهو يجود بنفسه من شدة السم الذي سقوه إلى آخر المصيبة مقدمة في (أنوار النعمانية) للسيد الجزائري (رض) انه كأنه بين الحسين " ع " وبين يزيد عداوة أصلية وعداوة فرعية: اما العداوة الأصلية فلانه ولد لعبد مناف ولدان: