المجلس الثاني عن أبي محمد الواقدي قال: لما أتى على رسول الله (ص) أربعة أشهر ماتت آمنة فبقي يتيما في حجر عبد المطلب، فكان النبي (ص) يبكي بعد أمه ولم يقبل المراضع حتى كانت صفية عمته تلعقه عسلا مع الثريد فتضجر عبد المطلب (ع) وقال لابنته عاتكة:
أجمعي المراضع فجمعت من نساء بني هاشم وقريش أربعمائة وستين مرضعة من بنات صناديد قريش فما قبل منهن مرضعة فخرجن وخرج عبد المطلب مهموما فقعد عند الكعبة وإذا بعقيل بن أبي وقاص وهو أسنهم قد أقبل وقال له: ما لي أراك يا أبا الحارث مهموما مغموما؟ فحكى عبد المطلب له فقال عقيل: يا عبد المطلب إني لأعرف في العرب من نسل إبراهيم الخليل في حي بني سعد فدعا عبد المطلب بغلامه واسمه شمردل فقال:
أركب ناقتك وادع لي عبد الله بن الحارث، وكان حي بني سعد على ثمانية عشر ميلا في طريق جدة فذهب الغلام وأتى به وعند عبد المطلب رؤساء مكة، ومع ذلك قام اجلالا له فأستقبله وقبله وعانقه فقال له: يا أبا ذويب إن نافلتي محمد بن عبد الله لا يسكن من البكاء شوقا إلى اللبن ولم يقبل لبن امرأة، وسمعنا إن لك بنتا ذات لبن فإن رأيت إن تنفذها فإن قبل لبنها جائتك الدنيا بأسرها فقال عبد الله: السمع والطاعة فمضى إلى منزله وبشر أبنته حليمة ففرحت وقامت من وقتها وتزينت ولبس ثيابها فلما ذهبت من الليل نصفه حملها أبوها معه إلى مكة وجاء بها إلى دار عبد المطلب، وأدخلوها في حجرة كان فيها مهد رسول الله، فأخذت النبي (ص) ووضعته في حجرها وأخرجت ثديها الأيسر لترضعه لان الأيمن لم يكن له لبن فلم يقبله، والح على الأيمن فلما مصه امتلأ باللبن فقالت حليمة:
وا عجباه ربيت بثدي الأيسر اثني عشر ولدا فما ذاقوا من الأيمن شيئا والآن قد أنفتح ببركتك فقال لها عبد المطلب: تكونين عندي وأمر لها بقصر في جنب قصره فلم يقبل أبوها، فدفعه عبد المطلب إليها على أن تأتي به في كل يوم جمعة تطوف به الكعبة وأوصاها بوصايا أخر وأخذ منها العهد والميثاق فحملت حليمة رسول الله (ص) وذهبت به